
(كش بريس/ خاص)ـ في خضمّ تصاعد الاحتجاجات داخل القطاع الصحي المغربي، وجّهت وزارة الصحة دعوة رسمية إلى التنسيق النقابي الوطني لعقد اجتماع مع الوزير أمين التهراوي خلال الأسبوع الذي يلي المقبل. هذه الخطوة، رغم ترحيب النقابات بها، اعتُبرت متأخرة قياسًا إلى حجم الغليان الاجتماعي الذي تفجّر مؤخرًا، خصوصًا بعد الأحداث اللافتة التي شهدها مستشفى الحسن الثاني بأكادير وأعادت إلى الواجهة سؤال جودة الخدمات الصحية العمومية.
أزمة بنيوية واحتجاجات متنامية
النقابات، في بيانها الصادر الجمعة، ذكّرت بأنها منذ بداية الموسم الاجتماعي الحالي طالبت بفتح حوار جدي حول أوضاع المنظومة الصحية ومستوى تنفيذ اتفاق 23 يوليو 2024. وأشارت إلى أن الاحتجاجات لم تعد ظرفية، بل تعبّر عن اختلالات بنيوية مزمنة تعاني منها المستشفيات العمومية، محذّرة من تسييس الأزمة أو تحميل المهنيين مسؤولية قصور المنظومة.
أولويات تفاوضية
التنسيق النقابي وضع لائحة مطالب دقيقة قبيل الاجتماع، في مقدمتها:
- تنفيذ ما تبقّى من اتفاق 23 يوليو، خاصة تعديل المرسوم الأساسي لهيئة الممرضين وتقنيي الصحة (2017) بما يضيف سنوات اعتبارية ويقرّ “الإطار الصحي العالي” مع إدماج المتصرفين الممرضين.
- المصادقة على مرسوم الممرضين المساعدين وإصدار المراسيم الخاصة بالتعويض عن البرامج الصحية والحراسة والإلزامية، مع رفع قيمتها وتوسيع الاستفادة لتشمل الفئات التقنية والإدارية.
- إخراج النصوص التنظيمية لتأطير التداريب، ومعالجة ملفات خريجي المدرسة الوطنية للصحة العمومية وأطباء الشغل، وخلق هيئة جديدة لمساعدي الصحة تضم تقنيي النقل والإسعاف.
- ضمان تمثيلية شاملة لكل الفئات في المجالس الإدارية للمجموعات الصحية الترابية، واعتماد معايير شفافة لإسناد المسؤوليات بعيدًا عن الحسابات الفئوية، إلى جانب إقرار أنظمة أساسية لكل من وكالة الدم ووكالة الأدوية.
تكشف هذه المطالب أن الأزمة تتجاوز النقاش حول الأجور أو التعويضات لتلامس عمق البنية التنظيمية للقطاع. فالحاجة الملحّة إلى مراسيم وتشريعات جديدة تعكس تأخرًا في تحديث الإطار القانوني والمؤسساتي، بينما يشير تمسّك النقابات بمعايير الكفاءة والشفافية إلى فقدان الثقة في آليات التسيير الحالية.
من جهة أخرى، تمثل الدعوة الوزارية—مهما وُصفت بالمتأخرة—نافذة قد تعيد إحياء الحوار الاجتماعي الصحي. غير أن نجاح اللقاء المرتقب سيقاس بمدى قدرة الحكومة على تقديم التزامات ملموسة، لا مجرد وعود، خاصة في ظلّ سياق اجتماعي محتقن يربط الحق في الصحة بكرامة الموارد البشرية وجودة الخدمات المقدَّمة للمواطنين.
وبذلك تتضح معادلة المرحلة: إصلاح تشريعي ومؤسساتي عميق كشرط لاستعادة ثقة الأطر الصحية والجمهور، وإلا ستظل المستشفيات المغربية ساحةً للاحتجاجات ومرآةً لأزمة أعمق من مجرد خلاف نقابي ظرفي.