The magazineفنون وثقافةلحظة تفكير

قصيدتان لريتا دوڤ ” من القلبِ للقلبِ ” و ” تعليق صوتي ”

ترجمة : د. سارة حامد حواس

*من القلب للقلب

إنهُ ليسَ أحمرَ و لا حُلوًا

لا يذُوبُ و لا يَتَقلَّبُ

لا ينكسرُ و لا يَقْسُو

لذلك لا يَشعُرُ بِالأَلَمِ و لا بالحَنِينِ  و لا بِالندَمِ ؛

و ليس لديه طرْفٌ مُدبَّب  لِيَدُورَ حوله

إنهُ حتَّى بلا ملامح

مُجَرَّدُ عضلةٍ سَمِيِكةٍ صَمَّاء

لكنَّني مازلتُ أشْعُرُ بِهِ يَنبضُ  مَحبُوسٌ داخل قَفَصهِ

أريدُهُ  ، أريدُهُ

لكنَّني لا أستطيعُ فتحَهُ لأنَّهُ بلا مفتاحٍ

و لا أسْتَطِيعُ أن أعُبِّرَ عَما بِدَاخلهِ 

أو أَبُوحَ لكَ عمَّا أشعرُ بهِ من كُلِّ قَلْبِي

و الآنَ ها هو مِلكُكَ

و عليكَ أيْضًا أن تقبِّلَنِي معه

*تعليق صوتي

من المُستَحيلِ أَنْ تَحتفظَ بِالمناظرِ الطبِيعيةِ في ذَاكِرتك

جرِّبْهَا ! كل ما تَلْتَقِطهُ مُجّرَدُ  أجزاءٍ

الشمسُ التي تشرقُ من وراءِ سلسلةِ جبالِ

الدُّخَانُ الذي يَنْبَعِثُ من جَليدٍ في بُحيرةٍ انْصِهَارِيةٍ

يَبدو  كأنَّ ذَاكِراتنَا لا يَسِعُها أن تحويَ شيئًا  بهذا الحجمِ

بل إنها تتسرَّبُ فقط .

يُمْكِنك أنْ تَبقى داخلَ مَنزِلٍ  و لا تَزَالُ تَشعُرُ بِالغُرَفِ التي لَست فيها 

المطبخُ أدْناهُ و السَّندرةُ أعلاهُ ؛

و غُرفةُ النَّومِ أسفل الرُّدهةِ 

و لا يَسعُك أنْ تَشعُرَ بِكليهما 

داخل الجُدرانِ  و خارجها و تَنظُرُ إليهما في الوَقتِ نفسه  .

إلى أين نذهَبُ بعد ذلك ؟

إلى  أين يَقُودُنا ذلك ؟

هناك مساحاتٌ لِلعيشِ و أُخرى لِلنسيانِ

يكونان سواسية أحيانًا

نمشي ذِهَابًا و إيَابًا من دون كللٍ  

نُفَرقِعُ الجعةَ  نُثَرْثِرُ على الهَاتِفِ  تَرْتَطمُ  أقدامُنا بِعَفْوِيةٍ .

ثُقبُ المِفتَاحِ لا يَرى شَيْئًا

هل كانَ أَعمَى دَائِمًا ؟

إنهُ كحلمٍ.. كصوتٍ يَهمسُ

افتحُ فَمَكَ ستفعلُ كَذَلك

لكنه لم يَعدْ فَمُكَ بعد الآن 

لأَنكِ الآن حلْقٌ بأَكملهِ

كنفقٍ مُسيَّخٍ بالهواءِ

سَيُعادُ تَدوِيرُكَ  لَكِن هذه المرة  عندما تَفتحُ فَمَكَ على مصراعيه

ستتخطَّى حدُودَ جسدِكَ      ستذدري ألمَكَ ؛

سَتَكُون حينَها على مَقربةٍ من الغوصِ مرَّةً أخرى

في جَسَدِك

ستصحُو من غَفْلتِكَ بعد ذلك.

قال أحدُهم ذاتَ مرَّةٍ : لا توجدُ إجاباتٌ

فقط أسئلةٌ مُمتعةٌ ،

( سألتِ  الحمامةُ : أيُّ طريقٍ إلى الأسفَلِ؟

و أسقطت غُصنَ الزَيتونِ )،

إذا كُنتُ تُفَكِّرُ في ذلك

إنَّ كلَّ شيءٍ داخل شيءٍ آخر 

كمظروفٍ في حزمةٍ داخل عُلبةٍ  .

ستتيقَّنُ أنَّ الألمَ يَعرِفُ طريقَهُ إلى كل ثُغْرةٍ فينَا.

يطلق على ريتا دوف ملكة الشعر الأمريكي الحديث تلك التي ولدت في الثامن و العشرين من أغسطس عام ١٩٥٢.وقد شغلت مناصب كثيرة منها ، ملكة الشعر و مستشار مكتبة الكونجرس فيالشعر من عام ١٩٩٣ إلى عام ١٩٩٥ و تعتبر ريتا أول أمريكية من أصل أفريقي تشغل هذا المنصب ، و أيضا هي عضو في الأكاديميةالأمريكية للفنون و العلوم ، والأكاديمية الأمريكية للفنون و الآداب و الجمعية الأمريكية للفلسفة، و قد حصلت على الدكتوراة الفخرية منجامعة هارفارد  عام ٢٠١٨ و جائزة تشارلز فرانكل عام ١٩٩٦ و جائزة بوليتزر عن فئة الشعر عام ١٩٨٧ وهي ثاني من حصد هذه الجائزةمن بين الأديبات و الأدباء الأفرو أمريكيين ، وقد عملت أيضا محررة للشعر في مجلة نيويورك تايمز في عام ٢٠١٨.

ولها الكثير من الأعمال الشهيرة مثل ” توماس و بيولا ” وهو مجموعة من القصائد التي تتحدث عن التجارب الحياتية المختلفة للأجدادالأمهات و بهذا العمل الكبير ، قد حصدت جائزة البوليتزر  (Pulitzer Prize)التي هي مجموعة من الجوائز و المنح التي تُقدم سنويًّا منقِبَل جامعة كولومبيا بنيويورك في الولايات  المتحدة الأمريكية و تُقدم هذه الجائزة في مجالات مختلفة كالخدمة العامه و الصحافة و الآداب والموسيقى و تُعرف هذه الجائزة عند الأمريكيين ب ” أوسكار الصحافة ” فهي تعتبر من الجوائز الرفيعة في الولايات المتحدة الأمريكية.

أما عن شعر ريتا ، فهي تحدثت عن ثيمات مختلفة في قصائدها كالحب و التاريخ و العنصرية و الطبيعة و حكايات الأجداد.ومن يقرأ شعرريتا ؛ لابد أن يكون لديه خيال جامح لأنها تعتمد على الخيال و التشبيهات الخيالية غير المألوفة في كثيرٍ من قصائدها كقصيدة ” تعليقصوتي” التي تحدثت فيها عن المناظر الطبيعية و تأثيرها على النفس البشرية ، فقد استخدمت الكثير من التشبيهات غير المألوفة فعلىسبيل المثال :

” لأَنكِ الآن حلْقٌ بأَكمله

كنفقٍ مُسيَّخٍ بالهواءِ ”

كلمة مُسيخ ”skwered’’ تستخدم دائما للحوم ، فعندما تشوى اللحوم نضعها في سيخ و لكنها شبهت الإنسان هنا بالنفق و شبهت النفقكقطعة لحم موضوعة في سيخ للشواء في الهواء ، فقد استخدمت خيالها الجامح في تشبيه غير مألوف و غير تقليدي أضفى نوعًا من الفرادةو التميز للقصيدة ” تعليق صوتي” ” Voiceover’’ .

أما عن قصيدة ” من القلب للقلب” ”From Heart to Heart’’ فقد تحدثت فيها عن القلب بصورة أيضا غير تقليدية وغير مألوفة للبشرفتحدثت عن القلب كعضو بشري عادي كسائر أعضاء الإنسان لا يشعر و لا يتألم و لا يشعر بالحنين ، له وظيفة يقوم بها و ليس له أية علاقةبمشاعر الحب أو الألم أو الحنين و هذه نظرة و رؤية مختلفه لم تُذكر من قبل في قصائد الشعراء الآخرين حيث  المُعتاد أن يربط الشعراءمشاعرهم المختلفة بالقلب و ليس الشعراء فقط بل و سائر البشرية أيضا ، و أرى أن مشاعر الحب و الألم و الحنين فعل قلب و عقل و روحمعًا ، أي أن المشاعر نتاج لذلك الاتحاد وانتقلت ريتا بعد ذلك إلى نقطة محورية في هذه القصيدة و تحدثت عن أهمية القبول الكامل بينالمحبين أي أن التقبل هو تعريف الحب بالنسبة لريتا ، أي تقَبُّل الشريك كما هو أو هي بنقاط ضعفه و قوته فإذا كنت تحبني بالفعل فقلبي لكو لكن عليك أن تقبلني بعيوبي و مميزاتي ؛ أن تقبلني كلي ، هذا هو الحب بالنسبة لريتا و لي أيضا بالتأكيد ، أن تحمله بضعفه و قوتهداخل قلبك و روحك و عقلك من دون أن تشعر بثقل أو عبء كأنه جزء من تكوينك و كأنك وُلدت به ، كيانٌ واحد لا ينفصلان أبدا إلا بالموت .

في كتاب ” سجادة القصيدة ” من ترجمة و تقديم ” صبحي حديدي” قد تحدث فيه عن أهمية شعر ريتا دوڤ في الشعر الحديث و قد ذكرالعديد من أعمالها الشهيرة و الجوائز العديدة التي حصلت عليها الشاعرة و لكنه تحدث عن نقطة محورية مهمة في شعرها و هي السمةالمركزية السائدة في شعر ريتا دوڤ :

         و ثمة سمة مركزية سائدة في معظم شعر دوڤ،

         هي خصوصية استخدامها للألوان (ليس الأبيض

        و الأسود أولا كما قد يظن البعض، بل الأحمر و

        البرتقالي و الأزرق و الأصفر) في سلسلة مدهشة

       من العلاقات اللغوية و الصرفية و المجازية و

       التصويرية، و في وظائف رمزية و أسطورية و

        فولكلورية متعددة.سمة مركزية أخرى هي الإيقاع

        الموسيقي في استقبال القصيدة ، و هي تقول

        عن دور الموسيقى في استقبال القصيدة:”

       الكلمات ليست وحدها سبيل القصيدة إلى إقناعنا،

       و كذلك ليس معنى الكلمات، بل صوتها في أفواهنا،

        و مدى ما ترفعه أو تخفضه من ضربات قلبنا،

         و مقدار النفس التي نحتاجه إلى قول عبارة شعرية

          ما، و لماذا قد ينقطع نفسنا عند قول عبارة

          أخرى، و ما إذا كنا في ذلك كله نمارس وظائف

          فيزيائية طبيعية أم نفعل ذلك لأننا ببساطة نقرأ

          الشعر. ( ص ٢٢٠).

و هناك بعض الأقوال التي صرحت بها ريتا دوڤ في لقاءات متعددة تؤكد فيها أهمية الخيال للكاتب و الشاعر و أيضا للقاريء ، فالكتابةبلغة خيالية موحية قد تجعل القاريء في حال فريدة من التخيل و قد تحقق له أيضا نوعا من الإشباع الذهني و الروحي ” فلنا في الخيالحياة ، أجمل حياة ” و من هذه الاقتباسات :

‏” Without imagination we can go nowhere.And imagination is not restricted to the arts.Every scientist I have met who has been a success has had to imagine’’.

” لا نستطيع الذهاب إلى أي مكان من دون الخيال ، فالخيال غير مقتصرٍ على الفنون فحسب ، فكل عالم ناجح قابلته كان عليه أن يتخيله”. ريتا دوڤ تستحق لقب ” ملكة الشعراء ” ليس فقط لتفردها و تميزها كشاعرة أتقنت فنون الشعر بطرق غير مألوفة و لكن لرؤيتها و نظرتهاالمختلفة إلى الحياة و عدم اتباعها منهج ” القطيع” فلها رؤى جريئة و مختلفة تعبر عنها بمنتهى الصدق و الشفافية في قصائدها و لقاءاتهاغير مكترثة بظروف سياسية أو مجتمعية.

‏مقالات ذات صلة

Back to top button