
(كش بريس/التحرير)ـ كشف تقرير الاستثمار في الطاقة 2025 الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة أن المغرب بات، إلى جانب مصر وأنغولا وجنوب إفريقيا، ضمن أربع دول تستحوذ على نصف إجمالي خدمة الدين العمومي المرتبط بالطاقة في القارة الإفريقية خلال سنة 2025. وتشير البيانات إلى أن خدمة الدين في هذه البلدان تتجاوز 85 في المائة من مجموع الاستثمارات الطاقية داخل إفريقيا، ما يبرز حجم العبء المالي الذي تتحمله.
ويضع هذا المعطى المغرب في موقع محوري ضمن الخريطة الطاقية للقارة، إذ يظهر كإحدى الدول الأكثر تحمّلًا لكلفة الدين مقارنة بحجم الإنفاق الاستثماري، في سياق مالي توصف هشاشته بوضوح في تقرير الوكالة. وتؤكد هذه الإشارات أن المغرب حاضر بقوة في التحليلات الإقليمية التي تربط بين التمويل والطاقة في إفريقيا.
ورغم أن القارة الإفريقية تمثل 20 في المائة من سكان العالم، فإنها لا تجذب سوى 2 في المائة من الاستثمارات العالمية في الطاقة النظيفة خلال 2025، وهو ما تعتبره الوكالة أحد أكبر الاختلالات الجغرافية في توزيع الاستثمارات.
المغرب وتحديات التمويل الطاقي
يبرز التقرير أن وضع المغرب، باعتباره من الدول الأكثر تحمّلًا لخدمة الدين الطاقي، مرتبط مباشرة بضغوط التمويل التي تشهدها البلدان التي توسّع بنيتها الكهربائية أو تعزز مشاريع الطاقة المتجددة. فقد ارتفعت تكاليف خدمة الدين العمومي والحكومي المضمون في إفريقيا إلى مستويات غير مسبوقة خلال العقد الأخير، حتى أصبحت تمتص أكثر من 85 بالمائة من الاستثمارات الطاقية في 2025. هذا الوضع يحدّ بشكل كبير من قدرة الحكومات، ومنها المغرب، على توسيع الاستثمارات الخضراء أو تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري.
كما يوضح التقرير أن هذه الضغوط ليست معزولة، بل مرتبطة بعوامل دولية كبرى، بينها تقلبات العملات، وارتفاع مخاطر الدول، وتراجع تدفقات رؤوس الأموال نحو الأسواق الناشئة.
وسجّل التقرير أن كلفة التمويل السيادي في إفريقيا مرتفعة نسبيًا، حيث بلغ متوسط علاوة المخاطر 8 بالمائة في 2024، وهي نسبة أعلى من آسيا وأمريكا اللاتينية، مما يزيد تكلفة الاقتراض لتمويل مشاريع الطاقة. وتضاف إلى ذلك خسائر العملة المحلية أمام الدولار، والتي كانت مضاعفة في الاقتصادات الصاعدة مقارنة بالاقتصادات المتقدمة بين 2015 و2025، مما يرفع كلفة خدمة الدين الخارجي وكلفة استيراد التكنولوجيا الطاقية.
وتعاني القارة كذلك فجوات كبيرة في الولوج إلى الكهرباء، إذ لا يزال أكثر من 600 مليون إفريقي بدون كهرباء، ومليار شخص دون طاقة نظيفة للطهي. وفي ظل هذا الضغط، تجد الحكومات نفسها أمام مفارقة: الحاجة إلى رفع الاستثمارات الطاقية في وقت تتقلص فيه السعة التمويلية بسبب ثقل خدمة الدين.
قدرات الطاقة في إفريقيا: مسار بطيء نحو الأهداف العالمية
يؤكد التقرير أن قدرات الإنتاج الطاقي في إفريقيا جنوب الصحراء وشمال إفريقيا تظل أقل بكثير مما يتطلبه الوصول الشامل للطاقة بحلول 2030. ورغم تراجع التمويل الموجه للوقود الأحفوري والانخفاض الحاد في التمويل التنموي الصيني، شهدت الاستثمارات الخاصة في الطاقة النظيفة نموًا مهمًا، إذ تضاعفت خلال خمس سنوات لتبلغ 40 مليار دولار سنة 2024، مقابل 17 مليار دولار في 2019. ومع ذلك، تبقى هذه الأرقام بعيدة عن سقف الاستثمار الضروري لتحقيق انتقال طاقي فعلي في القارة.
في المقابل، تراجع التمويل المقدم من مؤسسات التنمية الدولية من 28 مليار دولار في 2015 إلى 20 مليار دولار في 2024، مما يخلق فجوة كبيرة في تمويل المشاريع الطاقية، خصوصًا في الدول ذات الدخل المحدود أو ذات الامتداد الجغرافي الصعب، وهو وضع يشمل المغرب ضمن منطق التحليل الإقليمي.
وتشير الوكالة إلى أن التمويل الميسر يلعب دورًا جوهريًا في تقليص المخاطر وتحسين جاذبية الاستثمارات الخاصة، خاصة في المشاريع طويلة الأمد كالطاقة الشمسية والريحية.
اختلال بنيوي بين الدين والاستثمار
يوضح التقرير أن ارتفاع خدمة الدين في إفريقيا أدى إلى مزاحمة مباشرة لميزانيات الاستثمار الحكومي، بحيث يتم توجيه جزء كبير من الموارد لتمويل الدين بدل الاستثمار في البنية الطاقية. وترى الوكالة أن هذا الاختلال يعرقل قدرة القارة على سد فجوات الولوج إلى الطاقة أو الانخراط في مسار الانتقال الطاقي العالمي، الذي يتطلب مضاعفة الاستثمارات ثلاث مرات بحلول 2030.
وفي السياق العالمي، بلغ حجم الاستثمار في الطاقة سنة 2025 نحو 3.3 تريليون دولار، منها 2.2 تريليون للطاقة النظيفة، بينما ظلت حصة إفريقيا ضئيلة مقارنة بالصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما يعزز الفجوة الاستثمارية القائمة.
كما أشار التقرير إلى أن الأمن الطاقي بات عنصرًا رئيسيًا في قرارات الاستثمار لدى الدول المستوردة للطاقة، ومنها المغرب الذي يسعى إلى تقليل هشاشة الاعتماد على الواردات عبر توسيع مشاريع الطاقة المتجددة.
الأسواق المحلية ودورها في تخفيض المخاطر
توضح الوكالة أن ضعف أسواق رأس المال المحلية في إفريقيا يزيد اعتماد الدول على التمويل الخارجي مرتفع التكلفة. ومن الحلول المقترحة: تطوير أدوات التحوط من مخاطر العملة، وتوسيع دور الأسواق المحلية، واعتماد أدوات تمويل مبتكرة منخفضة المخاطر، وهي حلول يمكن أن تدعم المغرب في تقوية استثماراته الطاقية وسط الضغوط المالية.
ويخلص التقرير إلى أن استمرار الفجوة الاستثمارية وارتفاع عبء الدين سيجعلان من تحقيق الأهداف الطاقية في إفريقيا تحديًا كبيرًا، ما لم تحدث تحولات كبرى على مستوى التمويل الدولي والقطاع الخاص وإصلاحات بيئة الأعمال.
وفي هذا الإطار، يأتي إدراج المغرب ضمن الدول ذات أعلى مستويات خدمة الدين الطاقي باعتباره مؤشرًا مهمًا على ضرورة إعادة ترتيب أولويات التمويل الطاقي داخليًا، خصوصًا في ظل المنافسة العالمية المتزايدة على التمويل الأخضر، والحاجة إلى إصلاحات هيكلية قادرة على تخفيف العبء المالي وتمكين المغرب من تسريع انتقاله الطاقي.





