
(كش بريس/التحرير)ـ في خطوة وُصفت بأنها تصعيد رقمي خطير ضد حرية التعبير وحقوق الضحايا الفلسطينيين، أدانت مؤسسات حقوقية فلسطينية وعربية قرار منصة “يوتيوب” إغلاق قنوات ثلاث من أبرز المنظمات الحقوقية الفلسطينية، هي: مؤسسة الحق، مركز الميزان لحقوق الإنسان، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
القنوات المحذوفة كانت تمثّل، لسنوات، ذاكرة بصرية لجرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية، وتوثّق أدلة تُستخدم أمام المحكمة الجنائية الدولية، ما يجعل القرار الأمريكي، المنفذ عبر المنصة، ذا طابع سياسي مباشر يتجاوز مجرد تطبيق إرشادات النشر.
وبحسب موقع “ذا إنترسبت” الأمريكي، فإن الخطوة جاءت في سياق تنفيذ العقوبات الأمريكية المفروضة منذ إدارة دونالد ترامب على المؤسسات الفلسطينية المتعاونة مع المحكمة الجنائية الدولية، والتي تجرّم أي محاولة لملاحقة مسؤولين إسرائيليين بتهم تتعلق بجرائم حرب. وبذلك، يتحول “يوتيوب”، المملوك لشركة “غوغل”، إلى أداة تنفيذية ضمن منظومة الضغط الأمريكي على العدالة الدولية، وليس مجرد منصة محايدة.
المنظمات المستهدفة أكدت أن حذف أكثر من 700 مقطع توثيقي – تضم شهادات أسرى وضحايا وتحقيقات ميدانية وأفلامًا وثائقية – يشكّل اعتداءً على الحق في التوثيق والذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني، ومحاولة متعمدة لـ”حماية الجناة من المساءلة”، وفق ما جاء في بيان مركز الميزان.
وفي السياق ذاته، وصف مركز “صدى سوشال” المتخصص في الحقوق الرقمية الإجراء بأنه “طمس للأدلة البصرية” وليس تطبيقًا لمعايير الاستخدام، مشيرًا إلى أن ما حُذف ليس محتوى إعلاميًا بل مواد قانونية موثقة بالأدلة. وطالب المركز بإعادة القنوات فورًا، وبتشكيل لجنة مراجعة مستقلة لمعايير “يوتيوب” تجاه المحتوى الفلسطيني، مع دعوة لإنشاء أرشيف بصري مستقل خارج المنصات الأمريكية.
من زاوية سياسية، يعكس القرار تواطؤًا ممنهجًا بين النفوذ الأمريكي ومنصات التكنولوجيا الكبرى لحجب الرواية الفلسطينية وتقييد وصولها إلى الرأي العام العالمي، في وقت تتسع فيه دائرة التحقيقات الدولية في الانتهاكات الإسرائيلية. كما أنه يفضح هشاشة مفهوم “الحياد الرقمي” أمام المصالح الجيوسياسية، حيث تتحول المنصات إلى فضاءات مراقبة وانتقاء سياسي للمحتوى بدل أن تكون فضاءات للحرية.
حقوقيًا، يشير هذا التطور إلى تراجع خطير في ضمانات حرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومات، المنصوص عليهما في المواثيق الدولية، ولا سيما المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ويضع هذا الإجراء الولايات المتحدة وشركاتها التكنولوجية أمام مسؤولية قانونية وأخلاقية عن التغطية على جرائم حرب موثقة بالأدلة.
أما على المستوى الاستراتيجي، فهو دعوة مفتوحة للمجتمع المدني الفلسطيني والعالمي لبناء بنية رقمية مستقلة للذاكرة الحقوقية، تحصّن التوثيق من الإغلاق والمحو، وتحوّل المعركة من مجرد دفاع عن المحتوى إلى صراع من أجل السيادة الرقمية وحرية السرد.





