
(تحرير/ عبد الناصر بومغاور)ـ
أعلنت وزارة السياحة المغربية، الثلاثاء، بدء الإعداد لخريطة طريق جديدة لتطوير القطاع للفترة 2027–2030، على أن تنطلق المشاورات في أكتوبر المقبل بالشراكة مع مهنيي السياحة. وتأتي هذه الخطوة في سياق الاستعداد لاستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2030، وهو حدث تراهن عليه الحكومة لتعزيز مكانة المملكة كوجهة سياحية عالمية.
ووفق بيان رسمي، ترأست وزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور اجتماعاً في الرباط مع الكونفدرالية الوطنية للسياحة، حيث شددت على أن “الأولوية اليوم هي مواصلة دينامية النمو مع جعل التميز العملي والعدالة المجالية ركيزتين أساسيتين في الاستراتيجية السياحية”. وأفاد البيان أن اللقاءات القطاعية المقبلة ستخصص لتحديد الإجراءات ذات الأولوية وتسريع تنفيذها، بما يضمن جاهزية القطاع للاستحقاقات الدولية المقبلة.
أرقام قياسية في ظرفية اقتصادية ضاغطة
تكشف المؤشرات عن طفرة غير مسبوقة: فقد استقبل المغرب 13.5 مليون سائح خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2025، بزيادة 15 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من 2024. كما بلغت مداخيل السياحة 67 مليار درهم (نحو 6.7 مليارات دولار) في الأشهر السبعة الأولى، أي نمواً قدره 13 في المئة على أساس سنوي، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف المعدل العالمي البالغ 5 في المئة، حسب منظمة السياحة العالمية. وتعد السياحة اليوم ثاني أكبر مصدر للنقد الأجنبي بعد تحويلات المغتربين، إذ استقطبت المملكة 17.4 مليون سائح في 2024، بزيادة 20 في المئة عن 2023، لتتصدر الوجهات السياحية في إفريقيا.
نقد الأولويات: ازدهار قطاع مقابل اختلالات بنيوية
رغم جاذبية هذه الأرقام، يطرح إطلاق خريطة طريق جديدة، موجهة أساساً لخدمة حدث رياضي عابر، أسئلة حول ترتيب الأولويات الاقتصادية في المغرب. فبينما تراهن الدولة على السياحة والمونديال كقاطرة للنمو، تعاني قطاعات أساسية مثل التعليم والصحة والفلاحة من خصاص مزمن في التمويل والإصلاح الهيكلي.
يرى اقتصاديون أن الاعتماد المفرط على السياحة يعمّق هشاشة الاقتصاد أمام الأزمات العالمية، كما حدث خلال جائحة كوفيد-19. ويؤكدون أن التركيز المفرط على المونديال قد يوجه الاستثمارات نحو مشاريع بنية تحتية موجهة للزوار على حساب الخدمات الاجتماعية للمواطنين.
توازن مطلوب بين الطموح والاستدامة
لا شك أن استضافة كأس العالم 2030 تمثل فرصة تاريخية لتسويق صورة المغرب عالمياً وجلب الاستثمارات، لكن تحقيق أثر طويل الأمد يتطلب أن تتكامل استراتيجية السياحة مع سياسات تنمية شاملة. فالسياحة قد تكون محركاً للنمو إذا ارتبطت بدعم الصناعات المحلية، وتأهيل الموارد البشرية، وتقليص الفوارق المجالية.
وبين حماسة الأرقام القياسية وضغوط الملفات الاجتماعية، يبقى التحدي أمام الحكومة هو تحويل المونديال من مشروع ظرفي إلى رافعة مستدامة تخدم المواطن المغربي أولاً، لا مجرد حدث رياضي يلمع في العناوين ثم يخفت بريقه.