
(كش بريس/ خاص)ـ في مشهدٍ جمع بين الفنّ والاحتجاج السياسي، تحوّل مهرجان سان سباستيان السينمائي الدولي –أهم المحطات السينمائية في إسبانيا وأحد أبرز المهرجانات الأوروبية– إلى منبر عالمي للتنديد بالإبادة الجماعية في غزة. فقد شهدت المدينة الباسكية، الأربعاء، وقفة حاشدة بالتزامن مع عرض فيلم صوت هند رجب، الذي يروي مأساة الطفلة الفلسطينية هند رجب (5 أعوام) التي استشهدت في يناير 2024 بعد استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي للسيارة التي كانت تقلها مع عائلتها في حي تل الهوى جنوبي غزة.

أصداء فنية وإنسانية
الفيلم، الذي حاز تصفيقاً حاراً ودموعاً غزيرة من الحاضرين في النسخة الثالثة والسبعين للمهرجان، أعاد إلى الواجهة صوت الضحايا الأطفال في القطاع المحاصر، وحوّل قاعة العرض إلى مساحة حداد جماعي وصرخة ضمير. وقد اختار صناعه، من ممثلين ومخرجين، أن يقدّموا حكاية هند بوصفها رمزاً لمعاناة جيل كامل يتعرض لانتهاكات مستمرة، لتغدو السينما هنا وثيقة مقاومة وذاكرة حية.
حضور سياسي وفني واسع:
لم يكن الاحتجاج حدثاً هامشياً؛ فقد انخرط فيه وزير الثقافة الإسباني إرنست أورتاسون إلى جانب رموز بارزة من صناعة السينما الإسبانية، مثل بيدرو ألمودوفار، خافيير بارديم، أنطونيو دي لا تور، ماريبل فيردو وغيرهم، ممن ارتدوا شارات “أوقفوا الإبادة” وحملوا لافتات كُتب عليها “السينما مع فلسطين” و”مساعدات عاجلة لغزة”. كذلك شارك الممثلان الفلسطينيان معتز ملحيس وسجى كيلاني على السجادة الحمراء، في خطوة اعتبرت تضامناً فنياً وسياسياً علنياً.
استعارات:
- التقاء الفن والسياسة: يبرهن هذا المشهد أن المهرجانات السينمائية لم تعد مجرد فضاءات استعراض فني، بل ساحات فعل سياسي قادرة على إيصال رسائل أخلاقية وإنسانية إلى جمهور عالمي.
- دور إسبانيا في النقاش الأوروبي: مشاركة وزير الثقافة تعكس تنامي المزاج الشعبي والرسمي المؤيد لحقوق الفلسطينيين داخل أوروبا الجنوبية، في وقت تتباين فيه مواقف العواصم الأوروبية الأخرى.
- الذاكرة البصرية كسلاح: فيلم صوت هند رجب يمثّل توثيقاً بصرياً لجريمة حرب، ما يمنحه قيمة تتجاوز الإبداع السينمائي إلى إدانة سياسية موثقة يمكن أن تؤثر في الرأي العام وصانعي القرار.
- تضامن عابر للحدود: الحضور الكثيف للفنانين الإسبان، إلى جانب مشاركة ممثلين فلسطينيين، يبرز تنامي شبكات التضامن الثقافي الدولي التي تستخدم الفن أداةً لرفض الإبادة وكسر الصمت.
دلالات أوسع:
يؤكد احتجاج سان سباستيان أنّ السينما ليست ترفاً فنياً، بل منصة كونية للشهادة والمساءلة. فحين تمتزج الدموع بالتصفيق وتُرفع لافتات التضامن في مهرجان عالمي، تتحوّل الشاشة الكبيرة إلى مرآة للضمير الإنساني، وتغدو مأساة طفلة من غزة قضيةً أخلاقيةً عالمية، تتجاوز حدود السياسة لتلامس جوهر الإنسانية ذاتها.