‏آخر المستجداتالمجتمع

الفقر في المغرب… من إحصاء الأجساد إلى انتهاك الإنسان

(كش بريس/التحرير)ـ يُقدّم بيان العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفقر شهادة مقلقة على مفارقة ساطعة بين الأرقام الرسمية اللامعة والواقع الاجتماعي المعتم، بين لغة المؤشرات التقنية التي تُظهر انخفاض نسب الفقر، وبين المعيش اليومي الذي يزداد هشاشة وتآكلاً في الكرامة وجودة الحياة. فالبيان يُفكّك ما يسميه “الفقر المتعدد الأبعاد” باعتباره ليس مجرد حرمان مادي، بل منظومة متشابكة من الإقصاء الاجتماعي وغياب العدالة المجالية وضعف الخدمات الأساسية وتراجع القدرة الشرائية، أي فقر يطال الإنسان في كليته، في جسده وكرامته وحقه في الأمل.

تُظهر العصبة حساً نقدياً حاداً حين ترفض الانخداع بالمؤشرات الشكلية التي تُسَوَّق كإنجازات، معتبرة أن تراجع نسب الفقر من 11.9٪ إلى 6.8٪ لا يعكس بالضرورة تحسناً حقيقياً في أوضاع الناس، بل يعبر عن محدودية المقاربة الإحصائية التي تختزل التنمية في أرقام معزولة عن الواقع الملموس. فالفقر، في قراءتها، ليس رقماً بل تجربة معيشة تتكثف في العالم القروي، حيث يتمركز أكثر من ثلثي الفقراء، في دلالة على استمرار فشل النموذج التنموي الوطني في تحقيق العدالة المجالية وتوزيع الثروة.

من هذا المنظور، يُعيد البيان تعريف الفقر بوصفه انتهاكاً للحقوق لا مجرد ظرف اقتصادي؛ فهو يمسّ حق التعليم والعلاج والسكن والعمل الكريم، أي جوهر الكرامة الإنسانية التي تشكّل قلب الرؤية الحقوقية الحديثة. وهنا تتخذ العصبة موقفاً نقدياً من السياسات العمومية التي تحصر معالجة الفقر في منطق الإحسان والمساعدات الظرفية، من دون أن تلامس جذوره البنيوية المرتبطة بالفساد الإداري، وضعف الشفافية الجبائية، وتهميش الفضاءات القروية.

البيان إذن يتجاوز الاحتجاج إلى اقتراح بديل قيمي ومؤسسي: مقاربة حقوقية شاملة تجعل العدالة الاجتماعية والإصلاح الضريبي والتمكين الاقتصادي للنساء والشباب أساساً للتنمية، لا مجرد نتائج ثانوية. وهو بذلك يدعو إلى إعادة صياغة السياسات العمومية على قاعدة أن محاربة الفقر ليست ترفاً أخلاقياً أو عملاً خيرياً، بل مسؤولية سياسية ووطنية تمتح من روح المواطنة المتضامنة والإنصاف المجالي.

في البعد التركيبي، يمكن القول إن العصبة تنحت خطاً خطابياً مزدوجاً: فهي من جهة تفضح التناقض بين خطاب الدولة الإنجازي وبين الواقع الاجتماعي المتردي، ومن جهة أخرى تؤسس لرؤية بديلة تربط الحقوق بالتنمية وتعيد الاعتبار للمواطن كغاية لا كوسيلة. أما من زاوية التحليل الاستشرافي، فإن البيان يعبّر عن قلق متنامٍ من اتساع الهوة بين الثروة والإحساس بالعدالة، بين الأرقام والسياسات، مما قد يفضي، إن استمر، إلى تآكل الثقة في المؤسسات وتفاقم الشعور باللاجدوى. إنّ الفقر، كما يصوره البيان، لم يعد شأناً اجتماعياً فحسب، بل مسألة وجودية تتعلق بقدرة المجتمع المغربي على إعادة تعريف ذاته في أفق الكرامة والإنصاف والحق في الحياة الكريمة.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button