
(كش بريس/ التحرير) ـ غالباً ما توحي البيانات الرسمية الصادرة عن المؤسسات المغربية بأن المسار التنموي في البلاد يسير بسلاسة وكأن كل شيء على ما يرام. لكن الغوص في الأرقام يكشف عن واقع أكثر تعقيداً وهشاشة، حيث تبدو الإنجازات الكبرى المعلن عنها في التقارير الرسمية أقرب إلى التجميل والتنميق منها إلى صورة واقعية لمسار التنمية.
تقرير حديث للمندوبية السامية للتخطيط حول التنمية في المغرب بين 2000 و2023، المرتكز على خطاب العرش لسنة 2025، يقدم هذه الصورة المركبة: نجاحات ملموسة، مثل دخول المغرب مصاف الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة والقضاء شبه التام على الفقر المدقع، لكنها مصحوبة بتحديات متفاقمة، أبرزها اتساع الفوارق الاجتماعية وتراجع القدرة الشرائية بفعل أزمات اقتصادية متتالية.
فالقدرة الشرائية، رغم تضاعف دخل الفرد الإجمالي من 11 ألف درهم سنة 2000 إلى نحو 27 ألف درهم سنة 2023، عرفت مساراً متقلباً: طفرة بين 2000 و2014، تباطؤ بين 2014 و2019، صدمة جائحة كوفيد-19 في 2020 بانخفاض -5.4%، ثم موجة تضخم في 2022 أدت إلى تراجع جديد قبل أن يتحسن الوضع بشكل طفيف سنة 2023 بنسبة 1.5%. هذا التأرجح يفضح هشاشة الاقتصاد المغربي أمام الصدمات الخارجية والداخلية، على الرغم من الصورة المتفائلة التي تصفها التقارير الرسمية.
وفي محاربة الفقر، يبرز التناقض ذاته: نجاح باهر في القضاء على الفقر المدقع وفق المعيار الدولي (0.3% سنة 2022)، لكن الفقر المطلق الوطني عاد للارتفاع من 1.7% سنة 2019 إلى 3.9% سنة 2022، مع تفاقم كبير في المدن، حيث تضاعف عدد الفقراء من 109 آلاف إلى 512 ألفاً. هذه الأرقام تطرح السؤال: هل يمكن اعتبار المغرب قد تمكن فعلياً من حماية مواطنيه من الفقر، أم أن ما تحقق هش وغير مستدام؟
أما الفوارق الاجتماعية، التي يقيسها مؤشر جيني، فقد عادت للاتساع بعد تحسن مرحلي، لتبلغ 40.5% سنة 2022، أي مستويات مطلع الألفية تقريباً. مؤشر يوضح أن ما يُصوَّر على أنه تقدم اجتماعي ينهار بسرعة أمام الأزمات، وأن التقدم المحرز في الحد من التفاوت لا يستند إلى قواعد صلبة.
حتى الإنجاز التاريخي لدخول المغرب فئة البلدان ذات التنمية البشرية المرتفعة سنة 2023، رغم أهميته، لا يغطي هشاشة المكتسبات أمام الصدمات الاقتصادية والاجتماعية، ولا يعكس بالضرورة حياة المواطنين اليومية الذين يشعرون بانكماش القدرة الشرائية وارتفاع الفقر في المدن والوسط القروي.
باختصار، ما تظهره التقارير الرسمية عن التنمية في المغرب هو وجه واحد من القصة، يغفل التقاط الهشاشة والتحديات المتواصلة التي تعيشها الأسر المغربية، ويطرح تساؤلات جدية حول استدامة هذا المسار التنموي المعلن.