
(كش بريس/التحرير)ـ
كشف مؤشر مخاطر المناخ العالمي لسنة 2026، الصادر عن مؤسسة “غرين ووتش”، أن المغرب يحتل المرتبة 96 عالمياً ضمن الدول الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية خلال السنة الماضية، والمرتبة 83 خلال الفترة الممتدة ما بين 1995 و2024، وهو ما يضع المملكة ضمن الدول التي تواجه تهديدات متزايدة من الظواهر المناخية المتطرفة.
ويعتمد هذا المؤشر، الذي يصدر سنوياً منذ عام 2006، على تحليل آثار العواصف، والفيضانات، وموجات الحر والجفاف، لتقييم مدى هشاشة الدول أمام التغير المناخي، وتأثيره على الأرواح والبنى الاقتصادية والاجتماعية.
حرائق، وفيات، واضطرابات… المتوسط يشتعل:
سجّل التقرير أن منطقة جنوب أوروبا وشمال إفريقيا كانت في يوليوز الماضي من أكثر مناطق العالم تضرراً من موجات الحر المميتة، التي اجتاحت المغرب واليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وفرنسا، مخلّفة أكثر من 23 وفاة وحرائق غابات واسعة النطاق واضطرابات في الحياة العامة.
وأكد الخبراء المشاركون في إعداد المؤشر أن الاحتباس الحراري جعل من هذه الظواهر شبه الدورية أمراً متكرراً، بعدما كانت نادرة الحدوث في العقود السابقة، مشيرين إلى أن درجات الحرارة ارتفعت بمعدل يتراوح بين 1.7 و3.5 درجات مئوية مقارنة بما قبل الثورة الصناعية.
كلفة بشرية واقتصادية ثقيلة: 832 ألف وفاة و4.5 تريليون دولار خسائر:
يرصد المؤشر حصيلة قاتمة تمتد على مدى ثلاثة عقود، إذ فقد أكثر من 832 ألف شخص حياتهم في مختلف أنحاء العالم جراء تبعات التغير المناخي منذ سنة 1995، فيما بلغت الخسائر الاقتصادية المباشرة حوالي 4.5 تريليون دولار بسبب أكثر من 9700 حدث جوي متطرف.
وتُعد الدومينيكان وميانمار وهندوراس من أكثر الدول تضرراً، حيث سببت الأعاصير المتكررة – وعلى رأسها إعصار ماريا – خسائر تجاوزت 200% من ناتجها الداخلي الخام، ما يعكس عدم التوازن في توزيع آثار التغير المناخي بين الشمال الصناعي والجنوب النامي.
مناطق الخطر تتوسع: إفريقيا والبحر الكاريبي في الواجهة:
صنّف المؤشر سانت فنسنت وجزر غرينادين وتشاد من بين أكثر الدول تضرراً في العام الماضي، داعياً إلى أن تكون الدورة الثلاثون لمؤتمر المناخ (COP30) لحظة حاسمة في سد فجوات الطموح المناخي العالمي، من خلال تسريع خفض الانبعاثات وتعزيز جهود التكيف ودعم التمويل المناخي للدول الأكثر هشاشة.
ويشدد التقرير على ضرورة تنفيذ آلية فعالة لمعالجة الخسائر والأضرار (Loss and Damage) التي تتكبدها الدول الفقيرة، معتبراً أن العدالة المناخية لن تتحقق دون نقل الموارد المالية والتكنولوجية من الشمال إلى الجنوب.
الإلزام القانوني للدول: المناخ كحق إنساني:
استند التقرير إلى رأي استشاري حديث صادر عن محكمة العدل الدولية، يؤكد أن الدول تتحمل التزامات قانونية دولية لمنع الآثار الضارة للتغير المناخي، من خلال تبني سياسات تخفيفية صارمة وتمويل التكيف بشكل كافٍ.
ويُعد هذا التطور القانوني مؤشراً على تحول قضية المناخ من شأن بيئي إلى قضية حقوقية وقانونية دولية، تضع الدول أمام مسؤولياتها التاريخية إزاء الانبعاثات.
المغرب بين الالتزام والاختبار:
رغم التقدم الذي حققه المغرب في مجال الطاقات المتجددة وقيادته الإقليمية في مبادرات مثل مخطط الطاقات الشمسية بورزازات والاستراتيجية الوطنية للماء، فإن تصنيفه في المراتب المتوسطة في مؤشر المخاطر المناخية يعكس استمرار هشاشة البنيات البيئية وضعف منظومات التكيف الزراعي والمائي.
فموجات الجفاف المتكررة، وتراجع الموارد المائية، وحرائق الغابات الموسمية، كلها مؤشرات على أن التحول المناخي لم يعد احتمالاً مستقبلياً بل واقعاً معاشاً، يتطلب سياسات استباقية متعددة الأبعاد: من التخطيط الترابي إلى أنظمة الإنذار المبكر، مروراً بتأمين الفلاحين والعمال ضد الكوارث المناخية.
من قياس الخطر إلى بناء المناعة المناخية:
يُظهر تقرير غرين ووتش أن العالم يمرّ من مرحلة الرصد إلى مرحلة المسؤولية المشتركة، وأن التفاوت في تحمّل الأعباء المناخية أصبح قضية عدالة كونية قبل أن يكون نقاشاً تقنياً حول الانبعاثات.
أما في السياق المغربي، فإن التحدي الأكبر لا يكمن فقط في خفض الانبعاثات، بل في بناء “مناعة مجتمعية” ضد المخاطر المناخية، عبر تمكين الفاعلين المحليين، وتحسين أنظمة التمويل الأخضر، وربط السياسات المناخية بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي تعرفها البلاد.





