
(كش بريس/ التحرير)ـ يشير التقرير الأخير الصادر عن مؤسسة «أوبن سيغنال» إلى تحوّل لافت في خريطة الاتصال الرقمي بإفريقيا، واضعًا المغرب في صدارة الدول الإفريقية المتقدمة في جودة إنترنت الهواتف المتنقلة، إلى جانب مصر وموريشيوس وتونس. ويكشف هذا التصنيف، الوارد في دراسة بعنوان «الفجوة الرقمية في إفريقيا: رؤى من مؤشر التميز العالمي للشبكات»، عن أن المغرب نجح في بلوغ نسبة تغطية تصل إلى 80.7 في المائة لشبكات 4G و5G، مع سرعة تحميل تتجاوز 30 ميغابايت/ثانية، وهي أرقام تجعل المملكة نموذجًا في استباق التحولات الرقمية عبر إدارة فعّالة للطيف الترددي وتطوير البنية التحتية.
لا يكتفي التقرير بالإشادة، بل يبرز بوضوح أن شبكات الهاتف المحمول باتت العمود الفقري للتنمية الرقمية في القارة، حيث قفزت دول عديدة مباشرة إلى الاتصالات المتنقلة من دون المرور بمرحلة الإنترنت الثابت. وهنا يبرز العامل الحاسم: سياسات تدبير الطيف الترددي والإصلاحات الجريئة هي التي تميز دولًا مثل المغرب ومصر وموريشيوس عن بلدان أخرى ما تزال تعاني من بطء الإصلاح وارتفاع كلفة الخدمة وضعف القدرات على التبني.
ويتوقف التقرير عند أبعاد اقتصادية واجتماعية عميقة؛ فـالفجوة الرقمية ما تزال واسعة:
- لم يتجاوز عدد الأسر الإفريقية المتصلة بالإنترنت الثابت 1.6 مليون أسرة في 2022.
- 14% من سكان القارة بلا أي تغطية للنطاق العريض المتنقل، وترتفع النسبة إلى 25% في الأرياف.
- بينما يستخدم 57% من سكان المدن الإنترنت، لا تتعدى النسبة 22.7% في المناطق القروية.
- كثير من المستخدمين يقضون ما بين 7 و37% من وقتهم على شبكات 2G/3G، ما يحد من جودة الاتصال.
هذه الأرقام تكشف أن تطوير البنية التحتية الخلفية والسياسات التنظيمية هو مفتاح تقليص الهوة، إذ يوضح التقرير أن مجرد تحرير الطيف—كما حاولت نيجيريا—لا يكفي إذا لم يُدعّم بشبكات قوية وبيئة استثمارية مستقرة. فزيادة قدرها 10 نقاط مئوية في انتشار النطاق العريض المتنقل يمكن أن ترفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنحو 2.5%، وفق البنك الدولي والاتحاد الدولي للاتصالات.
في ضوء هذه المعطيات، يطرح الواقع الإفريقي سؤالًا مركزيًا: هل تنجح القارة في تحويل تفوق بعض الدول، مثل المغرب، إلى رافعة قارية للعدالة الرقمية؟
إن التجربة المغربية تؤكد أن الاستباق في وضع السياسات وتحرير الترددات وتحديث البنى التحتية هو ما يصنع الفارق، ويجعل من جودة الشبكات المتنقلة محركًا للنمو الاقتصادي، وشرطًا للشمول الرقمي، ومدخلًا لتوفير خدمات حيوية في الصحة والتمويل والتعليم.
وبينما يواصل العالم تسارع سباق الأجيال الجديدة من الاتصالات، يبقى التحدي الإفريقي هو إغلاق الفجوة بين المدن والأرياف، وبين من يملك ترف الاتصال ومن يظل خارجه—فالتنمية الرقمية لم تعد رفاهًا بل حقًا أساسياً ومفتاحًا لمستقبل القارة.