
(كش بريس/خاص)ـ كشفت وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة أن الميزانية المخصصة لقطاع الانتقال الطاقي في مشروع قانون المالية لسنة 2026 بلغت 560,4 مليون درهم، منها 116,5 مليون درهم كاعتمادات أداء موجهة للاستثمار، في خطوة تعكس سعي الحكومة إلى ترسيخ الأمن الطاقي وتعزيز التحول البيئي، رغم محدودية الغلاف المالي المخصص مقارنة بحجم التحديات والالتزامات الدولية.
استثمارات تقنية محدودة لكنها استراتيجية:
توزعت الاعتمادات الاستثمارية على مجموعة من المشاريع ذات الطابع التقني والعلمي، منها 10 ملايين درهم لمواصلة المخطط الوطني للتخريط الجيولوجي، و4,2 ملايين درهم لتجهيز مختبرات متنقلة لمراقبة جودة المواد البترولية، إلى جانب 2 مليون درهم لدعم المختبر الوطني للطاقة والمعادن و2,3 مليون درهم لأشغال الصيانة والتهيئة.
كما خصصت الوزارة 3,5 ملايين درهم لإنجاز دراسة تقنية بشراكة مع المؤسسة المالية الدولية حول خريطة الغاز الطبيعي، ومليون درهم لإعداد دراسة استراتيجية حول السياسة المعدنية الوطنية، ما يشير إلى توجه نحو تحيين الرؤية الطاقية في شقها المرتبط بالمعادن والغاز، وهما قطاعان يعتبران ركيزتين في الاقتصاد الأخضر القادم.
رقمنة الإدارة وتعزيز الأمن المعلوماتي:
ضمن أولويات 2026، تبرز الرقمنة كأداة حيوية لتقوية البنية الإدارية للوزارة، إذ تم رصد 3,5 ملايين درهم لبناء بنية مندمجة للتطبيقات المعلوماتية تتيح الربط البيني بين الأنظمة، و4,5 ملايين درهم لإرساء سجل معلوماتي لتدبير شهادات المنشأ ونظام للرصد الاستراتيجي.
كما خصص 2 مليون درهم لاقتناء تجهيزات معلوماتية وبرامج لحماية الأنظمة، وهو ما يعكس إدراك الحكومة لأهمية الأمن السيبراني في قطاع حساس كقطاع الطاقة، خصوصًا مع تصاعد التهديدات الرقمية في البنى التحتية الحيوية.
البيئة والتنمية المستدامة: نحو مختبر مرجعي وديبلوماسية بيئية فاعلة
من جهة أخرى، بلغت ميزانية قطاع التنمية المستدامة 247,4 مليون درهم، منها 173,7 مليون درهم موجهة للتسيير، خُصصت نسبة مهمة منها (76,9 مليون درهم) للمعدات والنفقات التشغيلية.
وتهدف الوزارة إلى تحويل المختبر الوطني للدراسات ورصد التلوث إلى مختبر مرجعي في مجال مراقبة جودة المياه والهواء، ومواصلة برامج رصد مياه الشواطئ والرمال وتقييم التلوث البحري. كما سيتم تمويل دراسات لتحديث الملف الكيماوي الوطني، ووضع مخطط للاقتصاد الدائري في القطاعات الإنتاجية الكبرى، وتحيين المخطط الاستعجالي لمحاربة التلوث البحري الطارئ.
كما تشمل النفقات تحويل مساهمات المغرب في المنظمات الدولية البيئية، في إطار تعزيز الدبلوماسية المناخية ودعم مشاركة المملكة في مؤتمرات الأطراف (COP)، إلى جانب تحسين البنية التحتية الإدارية للمديريات الجهوية للبيئة.
بين إرادة الإصلاح ومحدودية التمويل:
تعكس الأرقام الواردة في مشروع الميزانية أن الدولة تمضي بخطى حذرة في تمويل التحول الطاقي، إذ يظل الغلاف المالي المرصود ضعيفًا قياسًا بالتزامات المغرب الدولية، وبحجم الاستثمارات المطلوبة لتسريع الانتقال نحو الطاقات المتجددة وتقليص التبعية الطاقية. فالميزانية الإجمالية لا تمثل سوى جزء يسير من الإنفاق العمومي الموجه للبنيات الأساسية، مما يثير التساؤل حول قدرة الوزارة على تحقيق أهدافها في إطار تمويل محدود.
ومع ذلك، تكشف التركيبة النوعية للمشاريع عن توجه واضح نحو التدبير العلمي والرقمنة وتعزيز المراقبة الميدانية، وهو ما يمكن أن يؤسس لإصلاح هيكلي طويل الأمد في طريقة إدارة الطاقة والمعادن والبيئة.
إن ميزانية 2026 في شقها الطاقي والبيئي تعبر عن مرحلة انتقال إداري وتقني أكثر منها مالية، حيث تركز على تقوية البنية المؤسسية، وتأهيل منظومات المراقبة، والتحضير لإستراتيجيات قطاعية مستقبلية.
لكن النجاح في هذا المسار سيظل رهينًا بمدى انخراط القطاع الخاص والمؤسسات الدولية في تمويل المشاريع الكبرى للطاقة المتجددة والمناجم والاقتصاد الدائري، حتى لا تبقى التحولات المنشودة رهينة لأرقام متواضعة في قانون المالية.





