قضايا العدالةلحظة تفكير

النقيب عبد الرحيم الجامعي : رسَالة للرئيس المنتدب و لرئيس النيابة العَامة

“حافظوا على استقلالكم وتجنبوا الزواج غیر الشرعي مع السلطة التنفیذیة”

أوقفوا الجائحة القضائیة التي تضرب المحاكم والعدالة من جدید … 

أنتم في السلطة القضائیة لستم تابعین للسلطة التنفیذیة، أو منفذین لتعلیماتھا أو لرغباتھا، فلا حق لكم أن تجعلوا المحاكم ملحقات للولایات او للباشویات تحاصرھا سیارات الشرطة لتمنع المحامین من ولوجھا، حافظوا على لباسكم المدني و قبعاتكم القضائیة لكي تظلوا أمام المتقاضین قضاة وأمام الدستور سلطة قضائیة مستقلة، فان كنتم على استعداد للتنازل عن استقلالكم فان المحامیات و المحامین سیواجھن و سیواجھون كل اتجار سیاسي او اداري بمبادئ الدستور و باستقلال القضاء، و المطلوب و المفروض ان تظلوا في كراسیكم قضاة فقط، فانحیازكم للسلطة التنفیذیة و لقراراتھا و لاجراءاتھا یفقدكم مصداقیتكم و یشكك في مدى استقلالیتكم، و رسالتم المشتركة لا قیمة قانونیة لھا لكنكم جعلتم منھا ” قانونا للأقویاء”
فرضتم بھا ما شئتم من الإجراءات على نساء و رجال المحاماة، تدركون بالیقین انھ لا حق لكم اتخاذھا و تطبیقھا وفرضھا بالقوة … 
اقول لكم رایي بغیرتي التي لا اساوم علیھا، لانھ قبل اكثر من سنة، جر علینا قرار الرئیس المنتدب سابقا للمجلس الاعلى للسلطة القضائیة الصادر بتاریخ 16 مارس 2020 انتكاسة مھنیة وقضائیة لا زالت آثارھا قائمة امامنا وامام الفاعلین في مجال القضاء، مرتفقین و قضاة و محامین و موظفین و معھم باقي مساعدي القضاء، ذلك القرار الفردي الذي نزل عند بدایة الكوفید و الذي اتخذه سریا دون سابق اشعار او حوار او اخبار او تقدیر او تقییم، فامر بواسطتھ كل المسؤولین القضائیین باغلاق الجلسات و تاخیر الملفات و الذین استجابوا لتعلیماتھ و نفذوھا بسرعة و دون نقاش، فتوقف سیر المرفق بكاملھ وتم اخلاء المحاكم 
و ضرب الحصارعلیھا كی لا یلج الى قاعاتھا و مصالحھا لا محامي و لا متاقضي مع استثناءات ضعیفة، وھي تعلیمات لم یكن من حقھ اتخاذھا لانھا غیر دستوریة و تمس استقلال القاضي وتدفعھ لارتكاب انكار للعدالة ، … و ظل الجمیع امام الشطط صامتا.
و تسبب انذاك اول مسؤول على اعلا الھرم القضائي بالمغرب بقراره التحكمي في جائحة مُحرقة اتت على القضاء و المحاكم و المحامین و المتقاضین، فعرقلت سیر المرفق القضائي و قتلت حیویتھ بأكثر الاضرار التي تسبب فیھا الكوفید … 
و قبل أیام قلیلة، تكرر من جدید السلطة القضائیة بواسطة ” رسالة ” و قعھا الرئیس المنتدب ورئیس النیابة العامة و وزیر العدل نفس الخطا لكن باسلوب خطیر و مھین، إذ بواسطتھا اتفقوا فیما بینھم منع ولوج المحاكم لمن لا یتوفر على الجواز او لمن لا یدلي بھ ببواباتھا ابتداء من الاثنین العشرین من دجنبر” الحرام “، فحرموا على المحامین ممارسة مھامھم داخل المحكمة وسلبوا منھم حریة و حقوق الدفاع بجرة قلم حبر و بتوقیع متسرع وبعیون لم تقرا النص ببصیرة. 
الیوم صفحة تاریخیة مثیرة للخوف تجتمع فیھا السلطتان و تختلط و تتوحد ضد المحامین وضد السیر العادي للمحاكم و الجلسات. الیوم یشھد التاریخ ان السلطتین معا القضائیة و التنفیذیة، تجتمعان لاختیار اجراء باسلوب ینتھك مقومات الدستور و حقوق 
الانسان و حقوق المتقاضین دون رقیب ولا حسیب، لیعلنان حالة استثناء، لاسباب لا تستحق اتفاق الاركان العامة القضائیة و التنفیذیة.
الیوم تقود السلطة القضائیة والسلطة التنفیذیة حملة غیر مسبوقة ملطخة بالشطط ضد ھیئات الدفاع بكامل التراب الوطني، مستعملة من اجلھا قوات الامن و الشرطة العلنیة و السریة، و حواجز بشریة ببوابات المحاكم، بكل مظاھر التخویف 
و علامات التھدید التي استنفرتھا لمھمة غیر دستوریة. 
انتم بالسلطة القضائیة اصحاب الولایة على سیر مرفق القضاء منعتم المحامین من ولوج المحاكم الا بالجواز، لكنكم تعلمون و تعلم معكم السلطة التنفیذیة بان عشرات الآلاف من المواطنین یستعملون یومیا القطارات و یلجونھا دون الالتفات للجواز، وتعلمون بان القطارات اكثر و بكثیر من المحاكم ازدحاما ومعرضة اكثر لمخاطر العدوى، فما ھو موقفكم منھا وما موقف زملاؤكم بالحكومة.
انتم بالسلطة القضائیة تمنعون المحامین من ولوج المحاكم الا بالجواز، لكنكم تعلمون بان أكبر المراكز التجاریة واكبر الاسواق واكبر الحانات و اكبر محطات الوقود و اكبر المطاعم و اكبر مواقف السیارات و اكبر المراقص، و اكبر الفنادق و و و ، 
یراودھا عشرات الآلاف یومیا دون رخصة و لا جواز و لا مراقبة … فلماذا اتفقتم مع زملائكم بالحكومة على إجراءات ضد المحامین…
 
إن رسالتكم المشتركة إھانة توجھ لنساء و لرجال الدفاع بكل الاسف، اخترتموه باسم الحذر و باسم الوقایة و باسم الاجراءات الصحیة، وكلھا إن كانت في مبدئھا یمكن القبول بھا دون معارضة، لكن كان علیكم اختیارھا و تدبیرھا باسالیب حكیمة، و منھجیة اكثر ذكاء، تقوم على ترك و تفویض الامر للجھات المعنیة محلیا بداخل كل محكمة وھي ھیئة المحامین و المسؤولین القضائیین، فھم من یٌقدر واقع حال المحكمة و ما یحتاجھ تنظیم الوقایة من اجراءات بعیدا عن القوة و الحواجز الحدیدیة
و الحصار .
ان اتفاقكم مع السلطة التنفیذیة على اجراءات بعیدة عن اختصاصاتكم وغیر مشروعة سیجر مستقبلا مخاطر علیكم وعلى حق المتقاضین في ان تظلوا مستقلین بكل معاني الاستقلال، انكم لن تستطیعوا التخلص منھا بسھولة، فاستقلالكم مسؤولیة تفرض علیكم التصرف تحت قیودھا، و استقلالكم حق للمتقاضین علیكم. 
إن استقلالكم قید دستوري على اعناقكم و على ایدیكم لا یمنحكم صكا للتخلي عنھ و تصریفھ لفائدة سلطة اخرى مھما كان الامر مما كان یفرض علیكما بالسلطة القضائیة ان تتخذا نفس ما اتخذه زمیلیكم رئیس محكمة النقض الفرنسیة والوكیل العام بھا القاضیانMarin Claude Jean et Louvel Bernard في رسالتھما المشھورة للوزیر الاول الفرنسي بتاریخ دجنبر 2016.

في الرباط بتاریخ 20 دجنبر 2021

‏مقالات ذات صلة

Back to top button