‏آخر المستجداتالمجتمع

الوزير برادة والدفاع المستميت عن إصلاح منظومة التعليم: من الأرقام إلى الأسئلة المسكوت عنها

(كش بريس/التحرير)ـ قدّم وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، خلال مناقشة ميزانية قطاعه، خطاباً دفاعياً اتسم بنبرة قوية وحماسية، ساعياً إلى تثبيت مشروعية خارطة طريق إصلاح التعليم في مواجهة ما وصفه بـ”التركيز السلبي على الجزء الفارغ من الكأس”.

ورغم محاولته تقديم صورة واثقة عن المنجزات، فإن خطابه يكشف – في العمق – عن توتر بين منطق التبرير ومنطق التقييم، بين الإرادة في إقناع الرأي العام بجدوى الإصلاح، وبين الحاجة إلى تفكيك مواطن الخلل البنيوية التي لا تكفي الأرقام وحدها لإخفائها.

من خطاب الدفاع إلى خطاب التمجيد:

أبرز الوزير أن تجربة “مدارس الريادة” تجاوزت حدودها الوطنية لتصبح نموذجاً يحتذى، مستشهداً بانبهار مفتشين فرنسيين بالتجربة المغربية. لكن هذا الاستدلال بالمقارنة الخارجية يحمل نزعة تبريرية أكثر منها تحليلية، إذ يُراد من الإشادة الأجنبية أن تمنح التجربة شرعية إضافية، وكأن الاعتراف الداخلي غير كافٍ لتأكيد النجاح.

الوزير قدّم هذا النجاح باعتباره حقيقة مثبتة بالأرقام، مؤكداً أن البرنامج بلغ 80% من أهدافه. غير أن الاقتصار على النسبة المئوية دون تحليل نوعي للأهداف المحققة، يترك مسافة غامضة بين الكم والكيف، بين المؤشرات الرقمية والمردودية الفعلية داخل الفصول الدراسية.

المعلم بين الخطاب الرمزي والسياسات الفعلية:

يضع برادة رجال ونساء التعليم في قلب الإصلاح، مؤكداً أن 80% من ميزانية القطاع، التي تناهز 100 مليار درهم، تُخصص لتحسين أوضاعهم. هذا التأكيد يعكس رغبة في إعادة الثقة إلى الفاعل التربوي بعد سنوات من الاحتقان.

لكن الخطاب، رغم صدقه الإنساني في الدفاع عن المعلمين المتقاعدين أو المتعبين من أعباء المهنة، يظل رهين المقاربة المادية وحدها، دون أن يتطرق بعمق إلى إصلاح التكوين، وتطوير الكفايات، وتحسين بيئة العمل التي تظل محددات جوهرية لأي نهوض تربوي حقيقي.

جدل السيادة والاعتماد على الشركاء الدوليين:

في معرض الرد على اتهامات “التبعية لمختبرات أجنبية”، حاول الوزير التأكيد على استقلالية القرار الوطني، موضحاً أن التعاون مع مختبر “جي-بال” يندرج ضمن الاستفادة من خبرات دولية معترف بها.

ورغم وجاهة هذا التوضيح، فإن الخطاب يثير سؤالاً أعمق: هل الإصلاح التربوي في المغرب يُصاغ من داخل حاجات المجتمع، أم تحت إملاءات منطق التقييم الدولي والتمويل الخارجي؟ هنا يغيب النقاش المفاهيمي حول المرجعية التربوية الوطنية التي ينبغي أن توجه كل إصلاح.

الهاجس البنائي مقابل التحول النوعي:

تفاخر الوزير بإطلاق ورش ضخم لتأهيل 2000 مؤسسة تعليمية سنوياً، مع بناء مدارس جديدة للحد من الاكتظاظ. هذه المعطيات، رغم أهميتها، تكشف استمرار هيمنة المنطق الهندسي المادي على حساب التحول البيداغوجي والفكري.

فالإصلاح الحقيقي لا يقاس بعدد الجدران المرممة، بل بنمط التفكير الذي يُزرع في عقول المتعلمين، وبقدرة المدرسة على بناء مواطن ناقد ومبدع، لا مجرد متلقٍ للمعرفة.

بين الحماسة والعمق:

اختتم برادة خطابه بنبرة وجدانية، تحدث فيها عن “الحرقة والمسؤولية” تجاه مستقبل الوطن. إلا أن هذا الوجدان لا يعفي الخطاب من نقده العقلاني: فالحماسة لا تعوض الحاجة إلى تقييم شفاف، وإشراك المجتمع في النقاش حول جدوى الإصلاحات، بدل الاكتفاء بترديد معادلة النجاح الرقمي.

يمكن القول إن خطاب الوزير يجمع بين النية الإصلاحية والخطاب التبريري؛ بين الإنجاز المعلن والأسئلة المؤجلة. فالإصلاح التربوي، في نهاية المطاف، ليس سباقاً بالأرقام، بل مسار لبناء وعي جماعي جديد بالتعليم كقضية وجودية للمجتمع.

ولعل التحدي الأكبر اليوم هو تحويل الإصلاح من مشروع حكومي إلى ثقافة مجتمعية، تجعل من المدرسة المغربية فضاءً للحرية والارتقاء، لا مجرد مؤسسة لتدبير الأزمات.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button