
ـ كتب: المصطفى عيشان ـ
في زيارة ميدانية قمتُ بها اليوم 4غشت 2025، إلى برج المراقبة العسكرية الواقع شمال باب إيلان، وقفتُ على واقع مؤلم يختزل مأساة التراث المعماري حين يُسلَّم لأيدي لا تُحسن الإنصات إلى الذاكرة. فقد انتهت الأشغال المتعلقة بترميم البرج، الذي تحطم جزئيًا جرّاء زلزال 8 شتنبر 2023، لكن النتيجة جاءت مخيبة للآمال: تم طمس النوافذ العسكرية الأصلية التي كانت تُمكّن الجنود من رمي النبال و وتمكن الحراس منالمراقبة .
وإني، من باب الأمانة التاريخية والضمير الثقافي، أذكر أنني كنتُ قد وجّهت نداء بتاريخ 5 يونيو 2025، نبهتُ فيه إلى ضرورة الانتباه إلى مستوى النوافذ وعدم طمسها خلال أشغال الترميم، لما تمثله من بُعد استراتيجي في وظيفة البرج العسكرية، ولما تحمله من دلالة معمارية نادرة توثق لاستخدامات القتال الدفاعي في المدينة العتيقة.

فالراح يور مراكش متعددة منها التي خصصت مهمتها لدعم السور وغالبا تكون بثلاثة واجهات، وأبراج الأبواب ثم أبراج الأماكن الاستراتيجية من السور لها وظائف عسكرية منها البرج الموجود بين الباب المؤدي للعودة السعدية وباب ايلان في زاوية بارزة من سور الواجهة الشرقية.
هذا البرج، كما هو معلوم، كان يطل مباشرة على الساحة التي جرت فيها “معركة البحيرة”، وهي المواجهة الحاسمة التي دارت بين جيش الموحدين وخصومهم المرابطين، والتي انتهت بانتصار المرابطين سنة 1130م تقريبًا. وقد لعبت الأبراج المحصنة، المماثلة لهذا البرج، دورًا حاسمًا في المعركة عبر المراقبة والتصدي، خصوصًا باستعمال النوافذ العسكرية في عمليات الرمي والمراقبة. إن حذف هذه النوافذ اليوم في عملية الترميم ليس فقط تشويهًا بصريًا، بل أيضًا بترًا لذاكرة حربية تاريخية لا تعوض.

ونرفق هنا ثلاث صور دالة:
الصورة رقم 1 تعبر على حالة البرج على اثر الزلزال
الصورة رقم 2 تعبر على حالة ترميمه
الصورة رقم 3 صورة قديمة نادرة توضح نوافذ الواجهات الخمس للبرج قبل طمسها، حيث يشير:
• السهمان الأحمران إلى نافذتين بارزتين في الواجهة الثانية.
• السهمان الأزرقان يشيران إلى نافذتين في زاوية البرج.
• السهم الأخضر يشير إلى نافذة ثالثة في الواجهة الرابعة.
هذه التفاصيل المعمارية لم تكن مجرد فتحات ضوئية، بل أدوات دفاعية مدروسة بدقة. إن فقدانها لا يمكن تعويضه بطلاء إسمنتي جديد، ولا بجدار مصقول، بل سيبقى وصمةً في جبين عملية ترميم لم تصغِ إلى الذاكرة الجماعية، ولم تحتكم إلى أدبيات الصيانة الأثرية.
وإذ نحمل مسؤولية فشل هذا الترميم لكل مسؤل عنه، لا نطلب المستحيل. فقط نرجو أن يُنصت إلى التاريخ حين يتكلم، وأن يُعامل الحجر باعتباره وثيقة لا تقل قيمة عن أي مخطوط قديم. فهل سنضطر إلى كتابة تاريخ المدينة من جديد، كلما تكررت أخطاء الترميم باسم “التأهيل الحضري”؟