‏آخر المستجداتمال وأعمال

بنك المغرب يقرّ بتأخر انتقال خفض الفائدة إلى الاقتصاد

ـ 85% من القروض ذات سعر ثابت تعيق فعالية السياسة النقدية ـ

(كش بريس/التحرير)ـ أكد والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، أن البنك المركزي سيعقد، في 8 يناير المقبل، اجتماعاً مع المجموعة المهنية لبنوك المغرب، وذلك على خلفية ما وصفه بـ«تجاوزات» تهم خطوط الائتمان ومعدلات الفائدة المطبقة من قبل بعض المؤسسات البنكية.

وأوضح الجواهري، خلال ندوة صحفية أعقبت الاجتماع الفصلي الرابع والأخير لسنة 2025 لمجلس بنك المغرب، أن هذا اللقاء يندرج ضمن تتبع آلية انتقال السياسة النقدية إلى الاقتصاد الحقيقي، لاسيما عبر شروط الإقراض البنكي. وأبرز أن انتقال قرارات البنك المركزي لا يتم دائماً بشكل كامل أو متناظر، سواء خلال فترات تشديد السياسة النقدية ورفع سعر الفائدة الرئيسي، أو خلال مراحل التيسير النقدي وخفضه.

وأشار والي البنك المركزي إلى أن بنك المغرب كان قد دعا الأبناك، خلال مرحلة رفع سعر الفائدة الرئيسي، إلى اعتماد مقاربة مبنية على تقييم المخاطر ودراسة ملفات القروض «حالة بحالة»، بدل اللجوء إلى تشديد شامل قد يضر بتمويل الاقتصاد.

وفي ما يتعلق بتأخر خفض أسعار الفائدة على القروض، رغم تقليص سعر الفائدة الرئيسي، أقر الجواهري بوجود «نوع من البطء» في انتقال هذا الخفض إلى النسيج الاقتصادي، مبرزاً أن هذه الظاهرة ليست خاصة بالمغرب، بل سُجلت أيضاً في عدد من الاقتصادات الأخرى. وأرجع ذلك أساساً إلى الارتفاع الكبير في حصة القروض ذات السعر الثابت، التي تمثل حوالي 85 في المائة من إجمالي القروض القائمة، ما يحد من سرعة تفاعل أسعار الفائدة البنكية مع قرارات السياسة النقدية.

قراءة اقتصادية: خلل بنيوي في قناة الائتمان

يعكس هذا التشخيص إقراراً رسمياً بوجود اختلال بنيوي في قناة الائتمان، باعتبارها إحدى أهم قنوات انتقال السياسة النقدية. فسيطرة القروض ذات السعر الثابت، وإن كانت توفر استقراراً نسبياً للمقترضين، فإنها تُضعف فعالية قرارات البنك المركزي، خصوصاً في فترات التيسير النقدي، وتؤخر استفادة المقاولات والأسر من انخفاض كلفة التمويل.

كما أن حديث الجواهري عن «تجاوزات» محتملة في تطبيق معدلات الفائدة يفتح النقاش حول هوامش الربح البنكية، ومدى التزام الأبناك بروح السياسة النقدية، لا فقط بنصها، وهو ما قد يدفع بنك المغرب إلى تعزيز آليات المراقبة والتقويم، دون المساس باستقلالية القرار البنكي.

استهداف التضخم: تحول استراتيجي محسوب

في سياق متصل، أعلن والي بنك المغرب عزم المؤسسة إطلاق مرحلة تجريبية لاستهداف التضخم ابتداء من سنة 2026، في إطار انتقال «تدريجي وحذر» نحو نظام صرف أكثر مرونة. وأوضح أن هذه المرحلة ستشكل سنة اختبار، بدعم تقني من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلى جانب الاستفادة من تجارب بنوك مركزية سبق لها اعتماد هذا الإطار.

وأضاف أن الانتقال الفعلي نحو استهداف التضخم سيتم بشكل تدريجي ابتداء من سنة 2027، مشدداً على ضرورة استيعاب الفاعلين الاقتصاديين لانعكاسات مرونة نظام الصرف، التي ستُعتمد عبر مرحلة انتقالية لتفادي الصدمات.

ويُعد استهداف التضخم نقلة نوعية في تدبير السياسة النقدية، إذ يقوم على تحديد هدف واضح لمعدل التضخم والالتزام بتحقيقه على المدى المتوسط، ما يعزز شفافية السياسة النقدية ومصداقية البنك المركزي، لكنه في المقابل يتطلب شروطاً مؤسساتية وتقنية دقيقة، على رأسها جودة الإحصاءات الاقتصادية ونجاعة قنوات انتقال السياسة النقدية.

الإحصاءات وتيرة الاجتماعات: شرط الحكامة النقدية

وفي ما يخص وتيرة اجتماعات مجلس بنك المغرب، أوضح الجواهري أن النصوص القانونية لسنة 2019 كانت تتيح عقد اجتماعات أكثر من أربع مرات في السنة، غير أن محدودية توفر معطيات إحصائية محينة بوتيرة أقرب لا تسمح حالياً بتفعيل هذا الخيار.

وأكد أن الأولوية تنصب على تعزيز جودة وموثوقية الإحصاءات الوطنية، باعتبارها شرطاً أساسياً لإنجاح أي انتقال نحو نظام استهداف التضخم، مشيراً إلى أن البنك المركزي سيواصل عقد اجتماعات فصلية، مع إمكانية اللجوء إلى اجتماعات استثنائية عند الضرورة، وترك الباب مفتوحاً لمراجعة الوتيرة مستقبلاً إذا توفرت الشروط.

خلاصة تحليلية

تكشف مواقف والي بنك المغرب عن مرحلة دقيقة في تطور السياسة النقدية بالمغرب، تتقاطع فيها ثلاثة رهانات كبرى:

  • تصحيح اختلالات انتقال السياسة النقدية عبر النظام البنكي،
  • التحضير التدريجي لاعتماد استهداف التضخم،
  • وضمان استقرار مالي دون خنق تمويل الاقتصاد.

وهي رهانات تجعل من سنة 2026 محطة مفصلية، ليس فقط على مستوى الإطار النقدي، بل أيضاً في إعادة صياغة العلاقة بين البنك المركزي، النظام البنكي، والاقتصاد الحقيقي.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button