
(كش بريس/ التحرير)ـ في تفاعل مع إقدام مجلس جهة مراكش–آسفي مؤخرا على تخصيص غلاف مالي يناهز 547 مليون درهم لإقليم الرحامنة بمفرده خلال الفترة 2021–2025، يبرز سؤال محوري حول العدالة المجالية ومدى اتساق هذا التوجيه المالي الضخم مع الحاجات التنموية العاجلة لباقي أقاليم الجهة.
القرار، الذي زكاه ودافع عنه رئيس المجلس الجهوي سمير كودار، يترجم بلا شك إرادة لدفع مسار التنمية في الرحامنة عبر مشاريع تمتد من البنيات التحتية إلى دعم الجمعيات، لكنه يطرح إشكالية اختلال التوازن بين أقاليم الجهة التي تتقاسم تحديات تنموية متماثلة أو أشد حدة.
تركيز استثماري لافت
ويبدو من خلال القراءة إياها، أن توزيع الاعتمادات يكشف عن تركيز نوعي:
- 149 مليون درهم لاتفاقيات شراكة تتضمن مركزاً فدرالياً لكرة القدم ومنصة للصناعات الغذائية بابن جرير.
- 184 مليون درهم ضمن برنامج تقليص الفوارق الاجتماعية والترابية (فتح طرق، توسيع شبكات الماء، النقل المدرسي، سيارات الإسعاف).
- 112 مليون درهم لتأهيل المراكز الحضرية والقروية، و28 مليون درهم لبناء سدود تلية، و48 مليون درهم لتزويد الدواوير بالماء، فضلاً عن 10 ملايين درهم لوحدة متنقلة لتحلية المياه.
- دعم الجمعيات بلغ 14.7 مليون درهم.
هذه الأرقام توحي برغبة في جعل إقليم الرحامنة منصة إقليمية رياضية وصناعية واجتماعية، لكنها في المقابل تكشف عن اختيار سياسي–اقتصادي قد يُفهم منه منح الأفضلية لهذا الإقليم على حساب أقاليم أخرى في جهة تعاني تفاوتات صارخة، مثل شيشاوة والصويرة والحوز، التي ما زالت مؤشرات الفقر والبنية التحتية فيها دون المستوى.
إشكالية العدالة المجالية
رغم أن الاستثمار في الرحامنة قد يخلق دينامية جهوية على المدى البعيد، فإن غياب رؤية متوازنة لتوزيع الموارد يهدد بتكريس شعور “المناطق المهمشة”. فالأقاليم الجبلية والقرى النائية بالحوز وشيشاوة ما زالت تواجه أزمات الماء والتعليم والصحة بحدة أكبر، دون أن تحظى بمخصصات موازية.
هنا يبرز مطلب أساسي هو وضع معايير واضحة وشفافة لتوزيع الميزانيات، تُراعي مؤشرات الفقر والهشاشة والحاجات الاستعجالية، لا فقط فرص الاستثمار أو ثقل النفوذ السياسي.
الحاجة إلى مقاربة تشاركية
من منظور الحكامة، يبقى إشراك الساكنة والمنتخبين المحليين ومجتمع الخبراء في رسم أولويات الإنفاق أمراً حاسماً لتفادي قرارات قد تُتهم بـ“الانتقائية”. كما أن الرقابة على تنفيذ المشاريع وضمان مردوديتها الاقتصادية والاجتماعية عنصر ضروري لتبرير هذا الحجم من التمويل.
إن ضخ 547 مليون درهم في إقليم واحد خطوة طموحة لكنها تثير سؤالاً جوهرياً: هل التنمية الجهوية في مراكش–آسفي تسير وفق منطق العدالة والتوازن، أم وفق حسابات ظرفية؟
الإجابة ستعتمد على قدرة المجلس على تقديم برنامج متكامل لبقية الأقاليم يضمن توزيعاً عادلاً للموارد، حتى لا يتحول هذا الاستثمار إلى نموذج جديد من اللاإنصاف المجالي بدل أن يكون قاطرةً تنموية حقيقية.