‏آخر المستجدات‏أخبار وطنية

ترميم مسجد تنمل التاريخي: تعاون دولي لإنقاذ إرث المغرب الثقافي في مواجهة الزلازل

(كش بريس/ التحرير) ـ

في خطوة تعكس حرص المغرب على صيانة إرثه التاريخي وحماية موقعه المدرج ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ 1995، حلّ في مايو 2024 فريق من خبراء هيئة الآثار والفنون الجميلة الإيطالية، على رأسهم المهندس المعماري “ألدو جيورجيو بيزي”، إلى إقليم الحوز لمعاونة السلطات المغربية في تقييم وترميم مسجد “تنمل” التاريخي، بعد أن تسببت هزات أرضية في ثامن شتنبر 2023 بأضرار بالغة، شملت انهيار أجزاء من برج المئذنة والجدران الداخلية والخارجية للمسجد.

الطلب المغربي للاستعانة بالخبرة الإيطالية جاء عبر السفارة الإيطالية في أكتوبر 2023، واستجابت له روما بتكليف المهندس بيزي، الذي نشأ في المغرب وشارك في ترميم العديد من المواقع التاريخية، ليقود تقييم الأضرار ووضع خطة ترميم تعتمد تقنيات متقدمة تحافظ على الطابع المعماري الأصلي للمسجد، مع تعزيز البنية لمواجهة الزلازل المستقبلية.

مسجد “تنمل”، المعروف أيضًا باسم المسجد الأعظم، ليس مجرد بناء ديني بل شاهد حي على حقبة تاريخية هامة. فقد كانت قرية “تينمل” العاصمة الأولى للحركة الموحدية التي أسسها المهدي ابن تومرت في بداية القرن الثاني عشر، ومركز انطلاق غزواتها ضد المرابطين. ويمثل المسجد رمزًا للهيمنة الدينية والسياسية للموحدين، كما يضم بجواره قبر عبد المؤمن بن علي، خليفة المهدي، ما عزز مكانته الرمزية في تاريخ الدولة الموحدية.

الهندسة المعمارية للمسجد تعكس مهارة الحرفيين المغاربة في تلك الحقبة، مع عناصر مشتركة واضحة مع جامع الكتبية بمراكش، رغم صغر حجمه الذي يناسب قرية “تينمل”. ومن الملاحظ أن المسجد صُمّم ليكون مركزًا دينيًا وتاريخيًا، واستمر كوجهة للزوار على مر القرون، سواء من المسلمين أو غيرهم، ما يجعله نموذجًا للتفاعل الثقافي والديني والتسامح.

تاريخيًا، شهد المسجد العديد من الترميمات الجزئية، بدءًا من خمسينيات القرن الماضي، ثم تجديدًا في التسعينيات، وأخيرًا ترميم شامل في يناير 2023 قبل أن تدمّره الهزات الأرضية في سبتمبر من نفس العام. هذا التاريخ الطويل من الصيانة يعكس التحديات المستمرة للحفاظ على المعالم التاريخية في مناطق زلزالية، وأهمية التخطيط الهندسي الوقائي لضمان استدامتها.

من الجانب الاجتماعي والاقتصادي، يلعب المسجد دورًا مهمًا في تعزيز السياحة الثقافية في منطقة الحوز وقرية تينمل، ويعد مصدر جذب للباحثين والزوار الراغبين في استكشاف العمارة الموحدية وتراث المغرب التاريخي.

على الصعيد الدولي، يمثل المشروع المغربي الإيطالي نموذجًا للتعاون الثقافي والحفاظ على التراث الإنساني. كما أن دور اليونسكو في متابعة وتقييم الأضرار يضمن التزام المغرب بالمعايير العالمية لصون التراث، ما يعزز مكانة المملكة في جهود حماية المواقع التاريخية من التدهور والكوارث الطبيعية.

ترميم مسجد تنمل لا يقتصر على إعادة بناء الجدران والمآذن، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة إحياء ذاكرة حضارية غنية، تربط الماضي بالحاضر، وتضع أسسًا لحماية التراث المغربي للأجيال القادمة، في ظل تحديات طبيعية وأمنية مستمرة، لتظل مواقع مثل تنمل رمزًا للهوية التاريخية والثقافية للمغرب.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button