‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د عبد الرحمن بودرع: العالَمُ كتابُ نَقائضَ ..

1 ـ المُبالغَةُ في العنايَةِ بالمظهرِ واستغْراقُ الساعاتِ الطوالَ في التصفيف، والتلوينِ والترصيف، والتطريةِ والتطريفِ، دليلٌ على أنّ الباطنَ يَشكو الفَراغَ، وقد يَغلو صاحبُ المظهَرِ فينتفي عنه وُجودُ باطنٍ ينبغي أن يُعْنَى به، يقفُ صاحبُ الظّاهرِ أمامَ المَرايا ساعاتٍ يتأملُ ويتفرسُ ويسألُ ويُجيبُ ويَرْضى عن نفسه طوْراً ويسخطُ عليْها أطواراً، وقَد جُعلَ هذا الضَّربُ على مِهنٍ واستُعمِلَ على وَظائفَ، كالمَعارضِ ومَنصّاتِ التجميل والتطرية وعَرضِ الأجسام والقامات والهامات…

فمِثْلُه لا يُقبلُ له رأي في قضية ولا يُستشارُ في مسألة ولا يُسأل عن تَجربَة ولا يُستعمَلُ على وظيفةٍ أو مصلحةٍ من مصالح الناس ولا يُعوَّلُ عليْه في دَفع مَفْسَدة، ولا يُتعلَّمُ منه علمٌ ولا فنّ ولا أدب.

وهذا الصنفُ كثير في مجتمعنا، والأدْهى أنّ آلَةَ تربيةِ البَشَرِ اليومَ لا تَكادُ في كثيرٍ من جوانبها تُنتجُ إلاّ جُوفاً مَشغولينَ بصورِ أجسامهم وبابتساماتهم وطول قاماتهم وعَرضها…

2 ـ «وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ» (الأعراف:21)

يَزعُمُ الشيطانُ أنه ناصحٌ أمينٌ مُسِرّاً ومُعلِناً، مُوَسوِساً ومُجاهِراً، وغالبُ أحوالِه الوَسوسةُ وسمي إلقاؤه وَسْوَسةً لأنّه إلقاءٌ خافتٌ خَفيٌّ. كهيئة مَن يغشُّ ويمكُرُ عندَما يُخفِي كلاماً عَن السّامعينَ الذين يعلَمونَ بمَكرِه حتّى لا يُكذِّبوه ويُفسدوا عليه كذبَه وغِشّه.

أمّا المُقاسَمَةُ فهي حَلِفٌ مُبالَغٌ فيه، يوهِمُ بصدقِ الحالِف، وهي مُفاعَلَةٌ كالمُكارَمَة، والمفاعلةُ هنا للمبالغة في الفعل وليست مُشارَكَةً من طَرَفَيْن في فعل القَسَم، نحو قولِك: شافاه الله وعافاه

وذهبَ الزمخشريُّ في «الكشاف» إلى أنّ المُقاسَمَةَ ههنا مُشارَكَةٌ، كأنّهما قالا له تُقسِم بالله إنّكَ لَمِن النّاصحينَ فَأقْسم فجُعل طلبُهُما القَسَمَ بمنزلة القَسَمِ، فالمُفاعلة مجاز، أو يَكونُ الشيطانُ أقسَمَ لهما بالنّصيحة وأقسما له بقَبولِها، والمُفاعلَةُ حينئذٍ على الحَقيقة

زَعَمَ أنه يُقدمُ النصحَ وأقسمَ على ذلكَ. وما أكثرَ مَن يتودّدُ إلى غيرِه لمصلحةٍ في نفسِه فيُحذّرُه ويُطمِعُه، ويُرغِّبُه ويُرهِبُه، ويَدَّعي انّه على علمٍ ومعرفةٍ بالناسِ الذين حولَه، وهو إذ يفعلُ ذلكَ يكونُ قد فَعَلَ فِعلَ الشيطانِ ولَبسَ لَبوسَه وتقمَّصَ قَميصَه.

3 ـ الالتحاقُ بمصافِّ البلدان ذات الجَودَة في الإنتاج لا يتحققُ إلاّ بمَعايير الجَودَة المُتعارَفَة دولياً، من هذه المَعايير الإبداعُ بلغة الذّات والتبليغُ أو التواصُل مع العالَم بأكثرِ اللغاتِ انتشاراً كاللغة الإنجليزيّة. ولا مَكانَ للغاتٍ أجنبيّةٍ منحسرةٍ في أماكنَ ضيقةٍ.

غيرُ مَأسوفٍ عَلى مَن يُهينُ لغتَه ويُقدّمُ عليْها لغةَ غيرِه؛ ومَن يَفعَلْ ذلكَ يَكنْ في عِدادِ مُهينِ الذّاتِ المُسيءِ إليها؛ فكلّ أمّةٍ آثَرَت لغةَ مُحتلِّها تابعةٌ لا مستقلّة، بَلْ حُقَّ للمُحتلّ أن يُطالبَها بنصيبِه من مَواردِ استعمالِ لغتهِ لأنَّها استثمَرَتْ في لغتِه.

4 ـ العالَمُ كتابُ نَقائضَ

وكلُّ فصلٍ من فُصولِ الكتابِ يُناقضُ غيرَه،؛ من فُصولِ كتابِ النقائض: “فصْل مَشاهدِ الحربِ التي لها امتدادٌ في تاريخ البشريّة، نشأت وتطوّرَت وتَوالَدَت ونضِجَت وما احترَقَت، ومن مَشاهدِ هذا الفَصلِ تهديدٌ بنشوبِ حُروبٍ كلاميّةٍ تنتهي إلى حروبٍ قتاليّةٍ،

من فُصول الكتاب “فَصل الحياةِ الخياليّة” التي يعيشُها بعضُ أهلِ الفنِّ المسرحيّ والتمثيليّ والغنائيّ والرّوائيّ،

من الفُصولِ، “فصل الحياةِ الافتراضيّة” التي يَحْياها السابحونَ في فضاءِ الشبكَة العالَمية من غيرِ خُروجٍ إلى بَرِّ الواقعِ،

ومن الفصول “فَصل العلم والثقافَةِ والتعليمِ” مهمّتُه مقاوَمَةُ العبثِ الذي تصنعُه فُصولُ أخرى.

5 ـ الكتابُ الأصيلُ هو الذي يقرأ صاحبُه مَصادرَ مَن قبلَه وفي صدرِه هُمومُ عَصرِه وأسئلةُ عصرِه، فيتفاعلُ الهمُّ الذي في الصّدرِ بالمَصادرِ التي قُرِئت فيحصلُ من المَزيجِ كتابٌ جديدٌ هو وليدُ عَصرِه، ولا يولد هذا الكتابُ الأصيلُ إلا إذا كان صاحبُه قارئاً حَسَنَ القراءَةِ مستمسكاً بآلاتِ الفهمِ مُتوسِّلاً بها أحسنَ التوسُّلِ مُنفعلاً بهُمومِ عصرِه أعمقَ الانفعالِ وأصْدَقَه.

فإن لم تكنْ هذه الشروطُ فلا يولدُ كتابٌ جديدٌ أصيلٌ، وإنما يُطبعُ كلامٌ مُعادٌ مَكرورٌ. ويسيرُ التاريخُ على هذا النهجِ الكَريم، وعليه سارَ تاريخُ العلمِ عندَ مَن قبلَنا، وسيسيرُ على النمطِ نفسِه عندَ مَن بعْدَنا، فكنْ أيها الكاتبُ حلْقةً مُحْكَمَةً وعُروةً وُثْقى في سلسلة العلمِ وإلا فتَنَحَّ ودَعْ غيرَك يَفعلُ.

6 ـ احترامُ عُقولِ المُخاطَبينَ وأوقاتِهِم، بالإيجازِ عندَ مُخاطَبَتهم وبالتركيزِ وانتقاءِ المَقالِ المناسبِ للمَقام المناسبِ، وكَم يؤسفُك أن يُطلبَ منك أن توجِزَ، فإذا بك تصادِفُ في النّهايةِ أنّك فَسَحتَ باختصارك لتطويل غيرِكَ وبإيجازك لإطنابه……….

كَم هو موجِعٌ، هذا المَوقفُ.

7 ـ اللغةُ العربيةُ و”تَرميز قَواعد الوُلوج في عالَم التقنيّات الجَديدَة”

حاجةُ اللغة العربيّة وما يَدور حولَها من معارفَ إلى مواكَبَة العصر في الوسائل والأدوات والمناهج لكي يكونَ لها حضور مؤثّر وانتشار واسع في العالَم. والحقيقَة أنّ تبليغَ العلم بالوَسائل الحديثَة يضمنُ سرعةَ وصول المعلوماتِ وحلَّ المُشكلاتِ واختصارَ المسافاتِ والأزمنَة. ولا يَعني ذلك أننا استغنينا عن تبليغ العلم بالكتاب، كلاّ، فالكتابُ أصلٌ في نقل المعرفة الأكاديميّة الرّصينَة؛ ومَرجعٌ مُعتَمَد عند الاختلاف، ولكن حانَ الوقتُ لاستعمال الوسائل التقنيةِ الحَديثَةِ، والذي لاحظتُه من قوّة استعمال الوسائل الحديثَة أنّ اللغة اللعربيةَ استفادَت من هذا الوضع الجديدِ، استفادَت طرُقًا وأساليبَ جديدةً في الصياغة والتركيب، كانَ لها أثرٌ بليغٌ في النّهوضِ باللغةِ العربيّة في العُلوم والإعلام والتّواصُل –في عالَم كَثيفٍ مُتغيّر سريعِ التّطوّر وفي ظلِّ الفجوة الرّقميّة- وما زلنا نأملُ أن تدخلَ العربيّة في مُحاورَةِ اللغات الحيّةِ الأخرى الأكثرِ استعمالاً في المجالِ التّداوليّ الفكريّ والعلميّ العالَميّ، وأخصُّ بالذّكرِ اللغةَ الإنجليزيّةَ التي تفوّقَت في مَيدان ابْتكارِ البَرمجيّات وفي ميدان الاختزالِ، والاختزالُ شرطٌ حاسمٌ من شُروطِ إدماجِ اللغاتِ في سياق التّطوّرِ والتواصُل السريع، لأنّه يُتيحُ ابتكارَ الاصطلاحاتِ والرموزِ والصّيغِ المختصِرَة.

أقولُ على العربيّة أن تخوضَ غمارَ الانتشار على الشبكَة وأن يكونَ لها “محتوى علميّ مفيدٌ”؛ إذْ لم يَعُد من المناسِبِ النّظرُ إلى اللّغاتِ على أنّها نَسَقٌ مُغلقٌ ونظامٌ مكتملٌ لا يقبلُ التطورَ ولا التّغييرَ، بل ينبغي التّسليمُ بأنّ عصرَ الإعلامياتِ فرضَ على اللغاتِ –ومنها اللغة العربيّة- أن تُواكبَ العَصرَ، وأن تَتَوافَقَ وشُروطَ توليدِ المعرفَة الجديدَة أو نَقْلها من ثقافاتٍ أخرى، وفُرضَ على اللغاتِ أيضاً تقويةُ النّظامِ الرّمزيّ للغةِ الذي يسمحُ بتوليدِ علاقاتٍ جديدةٍ بينَ الدّالّ والمدلول، وهو ما يُسميه الباحثونَ بــ: « تَرميز قَواعد الوُلوج في عَوالم التقنيّات الجَديدَة، في المعلوماتِ والمعرفَة » ، وبإنتاج الرموز وتداولها. فتأثرَ نظامُ القراءَة والبَحث عن المَعلومَة، وآنَ الأوانُ لتنشئةِ الجيل العربيّ الجديد على هذا الوضع العلمي الإعلامي القرائي الجَديد.

8 ـ “إنّ الدّينَ عندَ الله الإسلام” له منطوق ومفهوم. ويُؤخذ بعين الاعتبار التوكيدُ بإنّ وبأسلوب الحصر. والمفهومُ إبطالُ غيره (مع إقرار الاحترام وكفّ اليَد)

“فماذا بعدَ الحقّ إلا الضَّلال” له منطوق ومفهوم. الاستفهام إنكاريٌّ يُفيد النفيَ والإبطالَ. والبَعْديّةُ تفيدُ الغَيريّةَ.

9 ـ أنت قَلبي :

إذا قالته الأمُّ لولَدها فبالمَعْنى الحقيقي لا المَجازيّ، وإذا قالَه المرءُ لغيرِه ممّن ليس من صُلْبِه أو رَحمِه فَعَلى المَجاز فحسبُ. لأنّ قلبَ ولَدِها خَرَجَ من رَحِمها فهو مِلْكٌ لَها قبل أن يَصيرَ إلى ولَدها. وإن لم تُصدّقْ ذلكَ فارجعْ إلى إحساس الأمّ وهي تُنادي ولدَها بذلك اللقَب.

ـــــــــــــــ

يُطلَقُ الولَدُ على الذّكَر والأنثى والمُفْرَد والمثنّى والجَمْع.

10 ـ الفيسبوك صفحات تسويد للأفكار قبل تبييضها وإعدادها لمرحلة النشر العلمي، والتويتر آلة تدريب على الإيجاز والتركيز ..

‏مقالات ذات صلة

Back to top button