
(كش بريس/التحرير)ـ كشفت رسالة وجهها نحو 600 من كبار المسؤولين الأمنيين والدبلوماسيين الإسرائيليين السابقين إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تحوّل نوعي في الخطاب الداخلي الإسرائيلي بشأن الحرب على غزة. هؤلاء المسؤولون، المنتمون إلى حركة “قادة من أجل أمن إسرائيل”، ليسوا أصواتاً هامشية، بل يمثلون أركان المنظومة العسكرية والأمنية السابقة، من رؤساء أركان وقادة في “الموساد” و”الشاباك” والشرطة، وصولاً إلى دبلوماسيين مخضرمين.
الرسالة، بما حملته من تحذيرات صريحة بشأن حياة الأسرى ومستقبل “إسرائيل” السياسي والأمني، تكشف عن حالة ارتباك عميق لدى النخبة الإسرائيلية في ما يخص استراتيجية الحكومة الحالية. فالانتقاد الموجه لغياب خطة “اليوم التالي” يعكس خشية متنامية من أن تتحول الحرب إلى مستنقع استنزاف طويل الأمد، دون تحقيق أهداف واضحة أو ضمانات بترتيب وضع سياسي وأمني بديل في غزة.
الأهم أن الرسالة تعترف ضمناً، بأن حركة حماس لم تعد تهديداً إستراتيجياً، وهو تحول في الخطاب الأمني يطرح سؤالاً مركزياً: إذا لم تعد الحركة خطراً وجودياً، فما مبررات استمرار الحرب بهذا الحجم من الدمار والخسائر؟ هنا يظهر البعد السياسي، حيث يلمّح القادة السابقون إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ربما تستخدم الحرب كأداة لتعزيز بقائها السياسي أكثر من كونها خياراً عسكرياً عقلانياً.
كما أن الرهان على ترامب يكشف عن مفارقة مثيرة: فبينما يُفترض أن تكون القرارات المصيرية في يد القيادة الإسرائيلية المنتخبة، فإن النخبة السابقة ترى في رئيس أميركي سابق ـ بل شخصية مثيرة للجدل على الصعيد الدولي ـ ضمانة أكبر لإقناع الرأي العام الإسرائيلي وإنهاء الحرب. وهذا يعكس في جوهره أزمة ثقة داخلية في القيادة الحالية، مقابل إيمان بقدرة الضغط الخارجي، وخاصة الأميركي، على فرض حلول سياسية.
الرسالة تضمنت أيضاً خمسة مطالب واضحة: وقف الحرب، استعادة الأسرى، توسيع المساعدات الإنسانية، انسحاب تدريجي من غزة، وتشكيل إدارة بديلة بالتنسيق مع الدول العربية والسلطة الفلسطينية. هذه المطالب لا تمثل فقط خريطة طريق لإنهاء الحرب، بل تكشف عن إدراك إسرائيلي متأخر بأن أي حل مستدام لن يكون عسكرياً محضاً، بل يستلزم شراكة إقليمية وإعادة تفعيل دور السلطة الفلسطينية، مع المحافظة على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
بذلك، يمكن القول إن الرسالة ليست مجرد مبادرة ضغط سياسي، بل تعكس إجماعاً صامتاً داخل دوائر القرار السابقة على أن الاستمرار في النهج الحالي يقود إسرائيل إلى عزلة دولية ومأزق داخلي. وهي أيضاً مؤشر على أن المجتمع الإسرائيلي بدأ يطرح أسئلة وجودية حول جدوى الحرب، ومستقبل العلاقة مع الفلسطينيين، وحدود الاعتماد على القوة العسكرية كحل دائم.