
(كش بريس/ التحرير)ـ جاء تصريح وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي في مقابلة مع قناة “العربية”، ليكشف مجدداً مأزق الخطاب الحكومي في التعامل مع الاحتجاجات الشبابية الأخيرة، التي انطلقت على خلفية أزمة الثقة المتنامية بين جيل جديد من المغاربة والمؤسسات الرسمية.
ففي الوقت الذي حاول الوزير تقديم نفسه كمدافع عن الحق الدستوري في التظاهر، جاءت كلماته محمّلة بروح تبريرية أكثر منها تأملية أو إصلاحية، وبدت وكأنها تسعى إلى تلطيف الغضب الشعبي دون الخوض في جوهر الأزمة.
🟥 1. خطاب مزدوج بين الإقرار والإنكار
من الناحية الشكلية، يقرّ وهبي بأن الاحتجاج “حق أصيل” يكفله الدستور، لكنه في الوقت نفسه يحصر الحوار في القنوات الرسمية، متجاهلاً أن جزءاً من أزمة الشارع يكمن بالضبط في فقدان الثقة بتلك المؤسسات التي يتحدث عنها.
فالتذكير بالقنوات الدستورية لا يقدّم جواباً لمطلب أساسي عبّر عنه الشباب بوضوح: غياب الإنصات الحقيقي، لا غياب الأطر القانونية.
حين يقول الوزير إن “الدستور لم ينصّ على إسقاط الحكومة عبر التظاهر”، فهو يقدّم قراءة قانونية جامدة لقضية سياسية واجتماعية ديناميكية، وكأن الأمر يتعلق بمخالفة قانون سير، لا بانفجار شعور جماعي بالإقصاء.
🟩 2. تحميل الماضي وزر الحاضر
يحاول وهبي أن يخفف من وطأة النقد عبر القول إن مشكلات الصحة والتعليم “نتاج تراكمات حكومات سابقة”، وهو كلام صحيح من حيث الوصف، لكنه فارغ من أي مسؤولية سياسية حالية.
فمن يقود اليوم هو من يتحمّل مسؤولية إدارة الأزمة، لا تدوين أسبابها.
لقد تحوّل خطاب الوزير إلى لغة دفاع بيروقراطية أكثر منها محاولة لتشخيص الواقع بجرأة، إذ أفرغ الأزمة من بعدها السياسي، وردّها إلى مجرد عطب إداري مزمن.
🟦 3. تقزيم الوعي الشبابي
حين يتحدث الوزير عن أن “بعض القاصرين يعيشون في عالم افتراضي”، فهو يختزل الظاهرة الاحتجاجية في سلوك مراهقين متهورين، متجاهلاً أن ما يجري هو تعبير عن تحوّل اجتماعي وثقافي عميق تقوده فئة رقمية واعية، لها أدواتها ومفاهيمها الجديدة عن العدالة والمواطنة والكرامة.
إن التقليل من وعي هذا الجيل أو تفسير سلوكه بمنطق “الانزلاق الافتراضي” هو فقدان للبوصلة السياسية، لأن الاحتجاج لم يكن نزوة شبابية، بل صرخة ضد العطالة، والتفاوت، والإحباط المؤسساتي.
🟨 4. من خطاب السلطة إلى أزمة الثقة
ما يغيب عن تصريح وهبي هو وعي الذات الحكومية بحدودها السياسية.
فحين يقول إن “من في السلطة يكون مخطئاً في الأصل ويصيب أحياناً”، فإنه لا يمارس النقد الذاتي بقدر ما يشرعن الفشل كقدر سياسي، ويغطي على ضعف الأداء ببلاغة شكلية.
هذا النوع من الخطاب يعيد إنتاج نفس المسافة التي جعلت الشباب يخرجون إلى الشارع أصلاً: اللامسؤولية المقنّعة باسم الواقعية.
🟧 5. الحاجة إلى مراجعة جذرية
الرد الحقيقي على احتجاجات “جيل زد” لا يكون بالتذكير بحق التظاهر أو بالدعوة إلى “الالتزام بالقنوات المؤسساتية”، بل بفتح قنوات جديدة للحوار السياسي والمجتمعي تستوعب هذا التحول الجيلي.
إن خطاب وهبي، رغم لغته القانونية، يغلق الأفق بدل أن يفتحه، لأنه يتعامل مع الشباب كملف أمني أو دستوري، لا كقوة فاعلة قادرة على إعادة إنتاج السياسة بلغة جديدة.
تصريح وزير العدل ليس مجرد تعليق سياسي عابر، بل هو مرآة لذهنيّة حكومية ما زالت تنظر إلى الشارع من الأعلى، لا من قلبه.
فحين يتحوّل الدفاع عن الشرعية الدستورية إلى تبرير للعجز السياسي، تصبح الدولة في حاجة إلى لغة إنصات جديدة، لا إلى خطب تذكّر الشباب بما يعرفونه مسبقاً: أن الدستور يكفل لهم الحق في الكلام، لكن لا أحد يستمع.