
أهمية الرقابة والمراقبة المالية والبعد التاريخي
إن الرقابة والمراقبة على الأموال العمومية، بكل نزاهة ومسؤولية، سواء رقابة داخلية ذاتية أو مراقبة خارجية موضوعية، وسيلة فعالة لتفادي خطورة التبذير وسوء التدبير وتبديد المال العام واستعمال هذه الأموال أحسن استعمال وأجود استخدام بهدف خدمة الصالح العام وخفض تقل الضريبة على المواطن ورفع قدرته الشرائية ومستوى المعيشة والاقتصاد والاستثمار وجودة الحياة·
ومفهوم الرقابة والمراقبة المالية مرتبط أشد الارتباط بمفاهيم أخرى لصيقة به أشد الالتصاق مثل الوقاية والمحافظة والمراجعة والمتابعة والمحاسبة والمساءلة والفحص والتدقيق والتسوية والإشراف والتقييم والتصحيح والتحليل النقدي للمعطيات واتخاد الإجراءات اللازمة والتقارير الصارمة وزجر الخروقات والانحرافات والاختلالات· الجيلالي شبيه، الرقابة المالية بالمغرب، 2020، متاح على شبكة الأنترنيت·
ونشأة الرقابة والمراقبة رافقت نشوء الدولة بمفهومها الواسع (أراضي، ساكنة، نظام) وملكيتها للمال العام في شخص حاكمها وإدارته لشؤونها تجاهلا للسكان أو نيابة عنهم· إلى جانب هذه المقولة المشهورة للأستاذ والقانوني والفيلسوف بول أمسالك (مجلة القانون العام والعلوم السياسية، فرنسية، أبريل 1983، ص 267-285): “هل يمكن وجود دولة بدون مالية؟” أود أن أضيف: “وهل يمكن وجود مالية بدون مراقبة ؟”· في الواقع لا أتصور وجود دولة قائمة الذات بمفهومها الواسع (إقليم، سكان، قيادة) بدون أن تكون لها ميزانية (موارد ونفقات، إدارة وتدبير) للقيام بمهامها ومراقبة مستمرة على هذه المهام والأنشطة المالية والتدبير المالي : ضرائب، مساعدات، اقتطاعات، هدايا، إمدادات، بنايات، طرق، قلاع، مسالك، معابد، قصور وضيعات···(الجيلالي شبيه، الرقابة المالية بالمغرب، 2020، مرجع سالف الذكر، سوء التدبير والتبذير والفساد المالي والإداري، 2023، موجود على الانترنيت)·
المركزية واللامركزية، أو جدلية المركز والمحيط، وإشكالية التدبير المالي ومراقبته
اللامركزية ليست عملية تفويض، خضوع المرؤوس لرئيسه، وليست وصاية ولي على قاصر، ولا نظام لا تمركزي إقليمي، خاضع مباشرة للمركز، بل هي في الواقع أسلوب في التنظيم الإداري والمالي والسياسي يتم من خلاله تمكين وحدات محيطية بحكم تموقعها، اجتماعيا واقتصاديا وماليا وإداريا، من تدبير شؤونها بنفسها في نطاق حدودها الترابية بنوع من الاستقلالية عن المركز، لكن في محيط ودائرة المركز· الجيلالي شبيه، المظاهر المالية للامركزية الترابية بالمغرب، فرنسية، منشورات كلية الحقوق، جامعة القاضي عياض،1997، ص 11-21، ومالية الجماعات المحلية، مقاربة شمولية لمالية الجماعات الترابية، فرنسية، لارماتون، 2005· تتمتع هذه الوحدات بوسائل بشرية محلية (تقنيات وكفاءات، تسيير ومتابعة) وقانونية (عرفية أو مكتوبة أو هما معا) ومادية (أجهزة ومقراة، أدوات ومعدات) ومالية (موارد وتكاليف، ميزانية ومحاسبة، فحص ومحافظة) بهدف إنجاز استثمارات وتقديم خدمات ترابية، بسيطة أو معقدة، استجابة لانتظارات الساكنة ومتطلباتها المشروعة كيفما كانت طبيعتها· الجيلالي شبيه، تاريخ الإدارة بالمغرب وإشكالية تدبير الصالح العام: تأملات في سبب جوهري من أسباب الواقع الإداري الحالي، أكتوبر 2020، موجود على الأنترنيت·
لم يظهر التنظيم المحلي الترابي كواقع اجتماعي مع الظهور الحديث لمصطلح اللامركزية وتنظيم الجماعات الترابية، أواخر القرن التاسع عشر، بل كان متجذرا في تاريخ الحضارات؛ فالتداول والتشاور في قضايا الجماعة وتنظيمها في المجتمعات الأمازيغية أو الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى أو الإسلامية عموما والمغربية خاصة، سواء تعلق الأمر بتنظيم الري السطحي أو الباطني (نظام الخطارات)، أو إيداع في خزائن محاصيل سكان الجماعة، أو نمط التويزة والمعروف في البوادي والحمامات والأفران العمومية في المدن، أو نظام الرعي والمراعي وجمع الحطب في المناطق الجبلية والغابوية أو صيانة ونظافة الأزقة التي تحتضن، في المدن العتيقة مثل فاس ومراكش ومكناس والرباط، محلات الصناعة والتجارة اليدوية التقليدية والأنشطة الحرفية الأصيلة وتسويق منتجاتها·
كانت كل هذه الأنشطة الاقتصادية والإجتماعية والثقافية، وما يزال الكثير منها قائما، منظمة داخل الجماعة، والجماعة نفسها تحتضنها جماعة أوسع منها، تسمى “الدولة” بمفهومها الواسع· كانت هذه الجماعة الترابية الصغيرة المدمجة ( مدينة، قبيلة، قرية، زاوية، حصن، قلعة) التي توجد سياسيا أو دينيا داخل وتحت سيادة الجماعة الترابية الكبيرة الدامجة، أي داخل الدولة، كان لها نظام مقنن دقيق وتسيير إداري ومالي يومي مضبوط، ووسائل بشرية ومادية وتقنية وأصول مالية عينية ونقدية أو كلفية تابثة، وإشراف ووقاية ومتابعة شمولية (أمين، محتسب، قاضي، جماعة/شيخ، أو جماعة/أمغار) لكل هذه الأنشطة المحلية الترابية اليومية· الجيلالي شبيه، المظاهر المالية للامركزية الترابية بالمغرب، فرنسية، منشورات كلية الحقوق، جامعة القاضي عياض،1997، ص 11-21، مرجع سالف الذكر، وتاريخ الإدارة بالمغرب وإشكالية تدبير الصالح العام، أكتوبر 2020، متاح على شبكة الأنترنيت·
واللامركزية الحالية لم تقم في الواقع على فراغ بل وجدت أراضي خصبة في كل أنحاء وجهات المغرب، بحيث منذ أن بدأ التقنين والتطبيق بمفهومهما الحديث لهذا النوع من النظام اللامركزي حاول في أول الأمر، تحت هيمنة المستعمر (1912-1956) طمس معالمه العتيقة وفرض منذ مطلع القرن العشرين نظام دخيل هدفه الميز العنصري وفرق تسود للاستيلاء والاستغلال، مثل ظهيري11 شتنبر 1914 و16 ماي 1930، المتعلقين بالتنظيم العرفي للقبائل “البربرية”، وظهير 8 أبريل 1917 الخاص بالتنظيم المكتوب للبلديات، وظهائر أو مقتضيات خاصة مرتبطة بمدينتي فاس (ظهير 2 شتنبر 1912، وظهير 8 أبريل 1917 ) والدار البيضاء (ظهير 27 يونيو 1913، وظهير فاتح يونيو 1922)· وتوالت فيما بعد ظهائر وتشريعات أخري عديدة، وبوتيرة سريعة، في التنظيم اللامركزي أو بالأحرى في التنظيم اللاتمركزي تحت سيطرة ومراقبة سلطات الاستعمار السياسية والإدارية والمالية (مدن ومراكز وقبائل) من 1915 إلى 1955، في نفس الاتجاه وبنفس الغاية: مصلحة المستعمر الاقتصادية والتوسعية، لكن لحسن الحظ، بدون النتائج المتوخاة، حيث سرعان ما داهمها الاستقلال (18 نونبر 1956)· الجيلالي شبيه، المظاهر المالية للامركزية الترابية بالمغرب، نفس المرجع سالف الذكر، ص 21-27، وتاريخ الإدارة بالمغرب وإشكالية تدبير الصالح العام، أكتوبر 2020، مرجع سالف الذكر، متاح على شبكة الأنترنيت·
المراقبة المالية للجماعات الترابية وأبعادها التاريخية والحالية
إن نظام المراقبة المالية بالمغرب، مسار تاريخي تدريجي طويل بدأ مع مراقبة مؤسساتية تقليدية مركزية ولاتمركزية (خليفة، أمير، والي، قاضي، والي المظالم، محتسب، أمين)، استمرت ردحا من الزمن، وتطورت فيما بعد، حتى يومنا هذا، إلى نظام مركب حديث يجمع بين المراقبة المالية والإدارية والقضائية والمحاسبية· الجيلالي شبيه، الأسس التاريخية والفلسفية لمسطرة التقاضي في القضايا الاجتماعية عامة وفي المادة الإدارية خاصة، 13 غشت 2025، متاح على الأنترنيت·
تم إحداث اللجنة الوطنية للحسابات، ظهير رقم 1-59-270، في 14 أبريل 1960، لممارسة المراقبة العليا على المالية العمومية، وإلغاء في ذات الوقت ظهير 20 يوليوز 1932 المؤسس للجنة المحلية المغربية للحسابات والتي كانت مهمتها أساسا فحص وتسوية مالية الجماعات الترابية، بخلاف مالية “الدولة المحمية” كان يرجع اختصاصها إلى المجلس الأعلى للحسابات بفرنسا· لم تتمكن هذه اللجنة الوطنية من إنجاز مهام المراقبة الموكلة إليها، بسبب الوصاية المفرطة لوزارة المالية واتخاذ قرارات تسوية عادية وانعدام الصفة لإصدار أحكام قضائية، مما أدى إلى فشلها· كان من بين الاختصاصات التشريعية لهذه اللجنة تصفية حسابات المحاسبين العموميين، المركزيين واللاتمركزيين، وتقديم تقارير سنوية لمجلس النواب على تنفيذ القوانين المالية السنوية· وكان المحاسب العمومي الإقليمي أو اللاتمركزي هو المسؤول على استخلاص الضرائب المحلية ووضعها في حساب ميزانية الجماعات الترابية· الجيلالي شبيه، المظاهر المالية للامركزية الترابية بالمغرب، المحاسبة العمومية المحلية، المرجع المشار إليه سابقا، ص 302-355·
وأنشئ المجلس الأعلى للحسابات بقانون رقم 12-79 الصادر في 14 شتنبر 1979 وتلاه قانون رقم 28-80 بتاريخ 25 دجنبر 1980 الخاص بنظام القضاة الماليين· الجيلالي شبيه، المظاهر المالية للامركزية الترابية بالمغرب، اختصاصات المراقبة للمجلس الأعلى للحسابات، المرجع سالف الذكر، ص 346-355· وأصبح المجلس مؤسسة دستورية منذ 1996، وجاء في الدستور الحالي، يوليوز 2011، “يتولى المجلس الأعلى للحسابات ممارسة المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية···”بالنسبة للدولة والأجهزة العمومية” أي الجماعات والمؤسسات، وتنشر “جميع أعماله بما فيها التقارير الخاصة والمقررات القضائية”·
وبالرجوع إلى القوانين المالية السنوية نلاحظ تداخلا وامتدادا قويين بين مالية الدولة ومالية الجماعات الترابية وهيئاتها، فإذا تصفحنا مثلا مشروع قانون المالية الحالي، لسنة 2026، نجده يتضمن الموارد المرصدة للجهات، المادة 9، وتثبيت هذه المبالغ المرصدة في ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة وفي الحسابات الخصوصية للخزينة، وحصة الجماعات الترابية من حصيلة الضريبة على القيمة المضافة، المادة 14، وصندوق التنمية الترابية المندمجة، والمبالغ المدفوعة لفائدة الجماعات الترابية وهيئاتها في إطار اتفاقي، المادة 16··· ومن بين التقارير المرفقة لمشروع قانون المالية لسنة 2026 وعددها 13، نجد ثلاث مرفقات تهم الجماعات الترابية مباشرة: الضرائب المرصدة للجهات، حصة الجماعات الترابية من الضريبة على القيمة المضافة وصندوق التضامن بين الجهات· يمثل رصيد الإمدادات المالية السنوية (ضريبية وغير ضريبية) التي تدفعها الدولة للجماعات الترابية أكثر من 70 بالمئة من مجموع مواردها، وقد تصل هذه النسبة إلى أكثر من 90 بالمئة من مجموع مداخيل الجماعات الترابية بالجنوب· الجيلالي شبيه، حقيقة مالية الجماعات الترابية بالمغرب، ماي 2021·
وصدر القانون رقم 99-62 المتعلق بالمحاكم المالية بتاريخ 13 يونيو 2002، وتم تفعيل مقتضياته الأساسية الخاصة بالمجالس الجهوية للحسابات ابتداء من فاتح يناير 2004، وجاءت تعديلات هامة بشأنه في المادة 13 من قانون المالية رقم 07-38 للسنة المالية 2008 بتاريخ 27 دجنبر 2007، وقانون رقم 06-52 بتاريخ 30 نونبر 2007، وقانون رقم 16-55 بتاريخ 25 غشت 2016، وأبرز محطات تفعيل قانون المحاكم المالية وهو الأساس التنظيمي الحالي، تعديلات، 2019-2020، قانون 19-39 وقانون 13-106 وتعديلات 2025، قانون 24-55، المتعلقة خاصة بنظام القضاة المالية· يحدد هذا القانون الاختصاصات والتنظيم وطريقة تسيير كل من المجلس الأعلى للحساسات والمجالس الجهوية للحسابات والنظام الخاص بقضاة هذه المحاكم·
و يقوم المجلس الأعلى للحسابات، حسب المادة 3 من قانون المحاكم المالية، بصفة مستمرة بمهمة التنسيق والتفتيش إزاء المجالس الجهوية للحسابات، كما يقوم كذلك، يضيف القانون التنظيمي رقم 13-130 لقانون المالية الصادر بتاريخ 18 يونيو 2015، في المادة 31، بالتصديق على مطابقة حسابات الدولة للقانون وصدقيتها· وحسب المادة 66 من نفس القانون التنظيمي، “يحيل المجلس الأعلى للحسابات على البرلمان التقرير حول تنفيذ قانون المالية والتصريح العام للمطابقة بين الحسابات الفردية للمحاسبين والحساب العام للدولة”· والتقارير السنوية للمجلس الأعلى للحسابات تشمل كذلك بشكل منهجي أهم المقتضيات الواردة في التقارير السنوية للمجالس الجهوية للحسابات·
المراقبة المالية للجماعات الترابية على مستوى المؤسسات المالية
إن المجلس الأعلى للحسابات مؤسسة مالية مراقبية وقضائية يتمتع بالشخصية المعنوية على الصعيد الوطني، والمجالس الجهوية للحسابات مؤسسات مالية جهوية مراقبية وقضائية تتمتع بالشخصية الاعتبارية على المستوى الجهوي، والجماعات الترابية مؤسسات جغرافية إدارية ومالية تتمتع بالشخصية المعنوية لتسيير شؤونها في نطاق وحدتها الترابية· تعتبر هذه المؤسسات الثلاث كيانات تنظيمية مستقلة نوعيا، قانونيا وإداريا وماليا، حسب طبيعة الدولة المحتضنة، أحدثت بهدف، من خلال طبيعة الكيان المعني وتنظيمه وتسييره وتمويله، تحقيق غايات ومقاصد وطموحات الساكنة: رقابة ومراقبة وتقييم واستشارة وخدمات ومرافق عمومية ترابية كالصحة والتعليم والنظافة والتطهير والمناطق الخضراء والتنمية الجهوية· راجع خاصة فيما يتعلق بتاريخ اللامركزية الترابية بالمغرب منذ 2 دجنبر 1959 مرورا ب23 يونو 1960 و1975 و1976 و1992 و2009 و2006 و2011 وأخيرا وليس آخرا القوانين التنظيمية للجماعات الترابية والمراسيم التطبيقية 2015-2016،· الجيلالي شبيه، المظاهر المالية للامركزية الترابية بالمغرب، المحاسبة العمومية المحلية، ومالية الجماعات الترابية بالمغرب، مقاربة شمولية للماليات الترابية، مرجعان مشار إليهما سابقا، ودراسات نقدية في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، ماي 2016، متاح على شبكة الأنترنيت·
ويتولى المجلس الأعلى للحسابات ممارسة المراقبة بطرق مباشرة أو غير مباشرة على مالية الدولة والجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات والمقاولات العمومية وشبه العمومية وكل هيئة أو مؤسسة تستفيد من إمدادات وإعانات ومساهمات الدولة· ونلاحظ هذا الارتباط المحاسبي واضحا من خلال قانون المالية السنوي والقوانين المالية الأخرى، سواء المعدلة أو التنظيمية أو قانون التصفية· وتقوم المجالس الجهوية للحسابات ضمن نطاق اختصاصاتها بالتدقيق والبت في مالية ومحاسبة الجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات العمومية أو شبه العمومية التابعة لها، وكذا المؤسسات والشركات والجمعيات التي تستفيد من مساعدات الجماعة· تجرى هذه المراقبة من خلال البيانات والمستندات والتقارير التي تقدمها الجماعات للمجلس التابعة له في شخص ممثلها القانوني والمدبر المالي، أي الآمر بالأداء والصرف والمحاسب، كما يمكن للمجلس أن يطلع في عين المكان على المستندات والوثائق المثبتة لكيفية قيام الجماعة بتدبير شؤونها· وفي نفس الإطار المراقبي تتمتع السلطات المركزية واللاتمركزية (وزير الداخلية أو الوالي أو العامل)، في حدود اختصاصاتها، بصلاحية عرض على أنظار المجالس الجهوية للحسابات كل قضية اعتبرتها محط اهتمام ترتبط بالإجراءات والمساطر الخاصة بتنفيذ ميزانية الجماعة أو بحسابات إحدى هيئاتها·
ترفع سنويا تقارير المجالس الجهوية للحسابات ومقرراتها القضائية، التأديبية أو الزجرية، إلى المجلس الأعلى للحسابات ليرفعها بدوره في إطار تقاريره السنوية إلى وزير العدل لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ودفع ملفات تبديد المال العام المرتبطة بأنشطة الجماعة إلى المحاكم المختصة للبت فيها، تأديبية، جنحية أو جنائية، حسب خطورة الجريمة أو الفعل المدان· وتوجد علاقات وطيدة عضوية ووظيفية تربط المجلس الأعلى للحسابات بالمجالس الجهوية للحسابات مثل الصفة القضائية والتمثيلية في مجلس قضاء المحاكم المالية وتعيين قضاة المجالس الجهوية ووحدة الميزانية· ويشكل المجلس الأعلى للحسابات سلطة قضائية عليا بالنسبة للأحكام والقرارات الصادرة عن المجالس الجهوية للحسابات في مجالات التدقيق والبت في حسابات الجماعات الترابية وهيئاتها وفي قضايا التأديب، كما يتمتع الرئيس الأول للمجلس بسلطة تنسيق وافتحاص أشغال المجالس وتدبير وتفتيش شؤون موظفيها·
المراقبة المالية للجماعات الترابية، الخروقات والاختلالات، تبديد المال العام، تقارير قضاة تدقيق الحسابات وإشكالية انعدام الردع
إن الجزاءات التي تفرضها المحاكم المالية على الجماعات الترابية سواء عقوبات تأديبية (غرامات، خصم من الأجر، توقيف) أو زجرية (حبس، غرامة جنائية، جناية، مصادرة الممتلكات)، سواء مباشرة أو غير مباشرة، تبدء بالمجالس الجهوية للحسابات التي عاينت أو تحققت وأثبتت الوقائع من خلال تفتيش وتدقيق أعمال رؤساء المجالس الجماعية وحسابات المحاسبين العموميين وتمر بالمجلس الأعلى للحسابات الذي يضمنها في تقاريره السنوية ومقرراته القضائية وتعرض على وزير العدل الذي يقدم الشكاوى مدعمة بملفات الاختلالات والخروقات المالية المرتكبة من طرف المحاسبين ورؤساء الجماعات الترابية المدانين إلى المحاكم الزجرية·
إن التقارير الراهنة للمجلس الأعلى للحسابات المستندة على تدقيق المجالس الجهوية للحسابات لعمليات تنفيذ مالية الجماعات الترابية وهيئاتها والمؤسسات والمقاولات التابعة لها والجمعيات المستفيدة من إعاناتها تؤكد أن الخروقات المالية على هذا المستوى الترابي، موضوع بحثنا الآن، في قطاعات العقار والصفقات العمومية ونفقات التسيير والإمدادات المالية واللاشفافية وتضارب المصالح واستغلال المناصب والنفوذ وتبديد المال العام أصبحت ظاهرة نظامية مقننة تقنينا لا شرعيا، تؤدي إلى هدر وإتلاف الملايير من الأموال العمومية التي كان من اللازم أن تصرف لتغطية حاجيات المواطن الضرورية في مجالات الصحة والتعليم والشغل والاستثمار والبنى التحتية والمناطق الخضراء· تقرير حول أنشطة المجلس الأعلى للحسابات برسم 2023-2024، ج· ر· عدد 7360، دجنبر 2024؛ قرار محكمة النقض عدد 08/07/1667 بتاريخ 01/07/2008 في الملف الجنائي عدد 08/8679، تبديد أموال عامة، مشاركة في التزوير، استغلال النفوذ، دفوع شكلية، دفع بإحضار أصول الوثائق·
Principaux axes du rapport annuel de la Cour des comptes, au titre de 2023-2024, déc. 2024 ; Fraudes massives au Maroc : voici ce que la Cour des comptes a découvert, déc. 2025, accessible sur le Net.
صحيح قد تفرض جزاءات إدارية وقضائية على مسؤولي هذه الخروقات المالية لكن تفعيلها يظل جد بطيء وغير رادع تماما، مقارنة مع خطورة الظاهرة، كما أن الكثير من ملفات الاختلالات المالية الجماعية تبقى بدون متابعة رغم جسامتها·
في الواقع إن المغرب يتمتع بجميع الوسائل والمؤسسات الرقابية والمراقبية اللازمة لمتابعة ومساءلة وعقاب كل من قام أو ساهم في تبديد الأموال العمومية، غير أن بدون إرادة سياسية مؤكدة تظل هذه الهيئات والأساليب غير مجدية·
Fraudes massives au Maroc : voici ce que la Cour des comptes a découvert, art. précité.ومراقبة الأموال العمومية لا تقتصر في الواقع على المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات بل هناك مؤسسات أخرى رقابية ومراقبية كثيرة بإمكانها العمل في نفس الاتجاه مثل بنك المغرب والهيئة الوطنية للمعلومات المالية وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي والهيئة المغربية لسوق الرساميل والمفتشيات العامة والمؤسسات غير الحكومية والصحافة والرأي العام· الجيلالي شبيه، دكتور ومؤهل للبحث والتأطير والتدريس بجامعة باريس، ودكتور الدولة بجامعة القاضي عياض، في العلوم القانونية والمالية والضريبية والإدارية والمنهجية·





