‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د المصطفى عيشان: المغرب، إلى أين؟

طرح سؤال “المغرب إلى أين؟” في فترات المفارقة التاريخية، حين تتقاطع الآمال الكبرى مع خيبات الواقع، وحين تبدو الدولة في حركة دؤوبة بينما يزداد الإحساس بالركود أو الغموض وسط فئات واسعة من المجتمع. وهو ليس سؤالًا تأمليًا فقط، بل دعوة تحليلية لاستكشاف الاتجاهات العامة التي يسلكها المغرب في مختلف مستوياته: السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، والجيواستراتيجية.

‎في هذا السياق، تروم هذه المقالة تقديم قراءة تحليلية مركبة لمسارات المغرب الراهنة، واستشراف مآلاته الممكنة، اعتمادًا على منهجية استشرافية–نقدية، تجمع بين تفكيك الوقائع وبناء سيناريوهات المستقبل.

أولًا: السياق الراهن كمحرك للسؤال

‎1. أزمة الثقة وتآكل الرأسمال الرمزي

‎يشير عدد من التقارير الوطنية والدولية (منها تقرير النموذج التنموي الجديد، 2021) إلى هشاشة الثقة بين الدولة والمجتمع، خصوصًا في ما يتعلق بالمؤسسات السياسية، ومرد ذلك إلى اختلالات التمثيلية، وغموض التعاقد الاجتماعي، إضافة إلى فشل السياسات العمومية في إدماج الشباب وامتصاص الفوارق المجالية.

‎2. اختلالات الاقتصاد البنيوي

‎رغم الدينامية الاقتصادية الظاهرة في عدد من القطاعات (الفلاحة، السياحة، الطاقات المتجددة)، يعاني الاقتصاد المغربي من ثلاثية الاختلال:

‎ • تبعية بنيوية للأسواق الخارجية،

‎ • هشاشة سُوق الشغل،

‎ • ضعف الاستثمار في الرأسمال البشري.

‎هذا ما يترجم في ارتفاع معدلات البطالة، وتنامي القطاع غير المهيكل، واتساع الفجوة بين النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية.

‎3. انسداد سياسي وتفكك حزبي

‎شهدت الحياة الحزبية بالمغرب تراجعًا حادًا في المصداقية والفعالية، حيث لم تعد الأحزاب قادرة على أداء أدوار الوساطة، وانخفضت المشاركة السياسية، كما بدا المشهد البرلماني أقرب إلى غرفة صدى للسلطة التنفيذية. هذا الوضع جعل فئات واسعة، خاصة من الشباب، تميل إلى العزوف أو الاحتجاج أو الانسحاب من المجال العمومي.

‎4. توترات رمزية وثقافية

‎يشهد المجتمع المغربي تحولات ثقافية متسارعة، بفعل تأثير العولمة الرقمية، ووسائل التواصل، وتآكل المرجعيات التقليدية. وهذه التحولات لم تصاحبها سياسات ثقافية مندمجة، ما فسح المجال لصعود خطابات الهويات القاتلة، والمطالب الرمزية (الأمازيغية، الحريات الفردية، الدين، اللغة…) دون وسائط تؤطرها.

ثانيًا: السيناريوهات الممكنة

‎1. سيناريو الجمود المنظم

‎هو استمرار الوضع القائم دون تغيير جذري: إصلاحات تقنية بدون تغيير في قواعد اللعبة السياسية، وضبط اجتماعي مضبوط بالمقاربة الأمنية، ومشاريع كبرى بدون أثر ملموس على حياة المواطن.

‎النتيجة: مزيد من الإحباط، وتراكم العجز الديمقراطي والاجتماعي.

‎2. سيناريو التحول التشاركي

‎يفترض هذا السيناريو إرادة سياسية للإصلاح، تتجلى في:

‎ • مراجعة دستورية توسع من صلاحيات المؤسسات المنتخبة،

‎ • إصلاح ضريبي عادل،

‎ • تفعيل الجهوية بصيغة تنموية،

‎ • تحرير الإعلام العمومي،

‎ • إدماج حقيقي للشباب.

‎النتيجة: استعادة الثقة وبناء تعاقد اجتماعي جديد.

‎3. سيناريو الردة السلطوية

‎يتمثل في تضييق الحريات، وتشديد القبضة على المجال العمومي، وعودة السلطوية المقنعة عبر آليات قانونية وإعلامية.

‎النتيجة: تأجيل الانفجار الاجتماعي، دون معالجة مسبباته.

ثالثًا: أية أدوار ممكنة للنخب؟

‎النخب المغربية، سواء السياسية أو الفكرية أو الاقتصادية، مدعوة للخروج من منطق “التموقع” إلى منطق “المبادرة”، وذلك عبر:

‎ • إعادة بناء الوظيفة التأطيرية للأحزاب والنقابات؛

‎ • استعادة الجامعة والفكر لوظيفتهما النقدية؛

‎ • تشبيك الفعل المدني من أجل التأثير في السياسات العمومية.

‎المغرب إلى أين؟ نحو تعاقد جديد أم إعادة إنتاج الأزمة؟

‎ليس من قدر المغرب أن يظل في دوامة المفارقات، بين الإمكانات المعطلة والطموحات المؤجلة. إن الإجابة عن سؤال “المغرب إلى أين؟” لا تنفصل عن ما نقوم به اليوم، فرديًا ومؤسساتيًا.

‎فإما أن نبني مغربًا للكرامة والتعددية والعدالة، أو نترك الزمن يحسم فينا بدل أن نحسم فيه.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button