The magazineلحظة تفكير

د. سارة حامد حواس تترجم لكريستينا روسيتي : تذكّرني

‎تذكّرني عندما أرحل

‎أرحلُ بعيدًا إلى الأرضِ الصامتةِ

‎عِندما لن تعودَ تسّتطيعُ أنْ تعانقني

‎وأقترب من الرحيلِ ولن أسّتطيعَ البقاء أكثر

‎تذكَّرني عندما لن تسّتطيعَ أنّ تُخبرني يومًا بيومٍ عن ‎المُسّتقبلِ الذي خطَّطْنا له معًا ‎أَتَفّهَمُني؟

‎ تذكّرني فقط ‎سيكون الوقتُ قد تأخَّرَ على تقديمِ النُّصح أو حتى الدعاء

‎حتى إذا نسيتني لفترةٍ

‎وتذكَّرتني بعدها ثانيةً

لا تحزن

وحتى بعد أن يحلَّ الظلامُ وأفنى

‎سَتَبقى معك بقايا أفكاري

‎فَالأفْضل لي أن تنساني وتبتسم، ‎

لا أن تتذكَّرني وتحزنَ .

عيد الميلاد قلبي كعصفورٍ مغرد في غُصنهِ الغضِّ

قلبي كشجرةِ التفاح المحمَّلة أغصانها بالفاكهةِ

قلبي كقوسِ قُزَح يطفو ويتلألأ في بحرٍ هاديءٍ

قلبي أسعدُ كثيرًا من كلِّ هذه الأشياء

لأنَّ حبيبي هُنا معي ابنِ لي عرشًا من الحريرِ والريشِ الناعم زيِّنْهُ بالفروِ واللون الأورجوانيِّ

وأنحتْهُ بزخارفَ الحَمامِ و الرُّمانِ وريشِ الطاووسِ ذات المائة عينٍ وعناقيد العنب الفضيةِ والذهبيةِ وزهور الزنبق الفضية..

لأنَّه قد جاء عيد ميلاد حياتي وحبيبي هُنا معي.

كريستينا روسيتي شاعرة إنجليزية ولدت في عام ١٨٣٠، كتبت العديد من القصائد الرومانسية و التعبدية ، و اشتهرت أيضا بمجموعة من القصائد في شعر الأطفال ومن أشهر قصائدها ” سوق العفاريت” وقصيدة ” تذكّر” و ترنيمة عيد الميلاد ” في منتصف الشتاء البارد ” .

ولدت كريستينا روسيتي في لندن ؛ والدها جبرايل روسيتي رسام ومنفي سياسيًا من فاستو المنطقة الايطالية ووالدتها فرانسيس بوليدورن شقيقة جون وليام بوليدورن الصديق المقرب للشاعر البريطاني الشهير لورد بايرون، وقد أهدت كريستينا قصتها الأولى لوالدتها قبل تعلمها الكتابة.

تلقت كريستينا تعليمها في المنزل على يد والديها ودرست العديد من الأعمال الدينية والكلاسيكية والحكايات والروايات وقد تأثرت كثيرا بأعمال جون كيتس و والتر سكوت و آن رادكليف ، أما عن أعمال دانتي البجييري وبترارك فكان لهم التأثير الأكبر على كتابات كريستينا فيما بعد .

في عام ١٨٤٢ بدأت كريستينا بكتابة وتدوين قصائدها ، وفي عام ١٨٤٧ بدأت كريستينا بكتابة السوناتات (sonnets) والتراتيل والقصائد الغنائية القصصية وقد استفادت من التراث المسيحي في نصها الشعري ؛ وكان لنص العهد الجديد تأثير واضح على شعرها.

أما عن أعمالها الأولى فكان يغلب عليها التأمل في الموت وأيضا طابع الرومانسية ، نُشر لكريستينا أول قصيديتين لها وهي في الثامنة عشر من عمرها (عام ١٨٤٨) : قصيدة ” برودة الموت في الوسط ” وقصيدة ” برودة القلوب في الوسط” في مجلة أثنيوم البريطانية باسم ” إلين آلن ” ، ونشرت بهذا الاسم المستعار لعدم منعها من الكتابة لأن قصائدها كانت بمثابة تمرد على النمط الذكوري السائد حينذاك وكانت المرأة في هذا العصر محرومة من العمل في مجال الإبداع و الكتابة .

وجد الباحثون أن شعر كريستينا تأثر بصورة كبيرة بفرويد حيث تناولت بعض قصائدها مواضيع كالكبت الديني والجنسي، وقد تم التوصل إلى بعض أبعاد من شخصيتها من خلال شعرها وكانت أعمال كريستينا ملهمة للكثير من الأكاديميين حيث بدأ الكثير منهم وقتها نقد أعمالها والبحث عن سر عذوبية رومانسيتها الشعرية والبحث عن أسباب براعتها في علم العروض ونظم الشعر وقد أُختيرت كريستينا كشاعرة القرن التاسع عشر وتركت أعمالها أثرا كبيرا على أعمال بعض أشهر الكتاب منهم فورد مادوكس وڤيرچينيا وولف وفيليب لاركن ، ولاقت قصيدة عيد الميلاد ” في منتصف الشتاء البارد ” وقد لحنها جوستاف هولتسكترنيمة عيد ميلاد قد لحنها بعده هارولد دراك .

ولكريستينا الكثير من الأعمال المنشورة كالأبيات في عام ١٨٤٧، وسوق العفاريت في عام ١٨٦٢ ، وقصيدة تقدم الأمير في عام ١٨٦١ وغني أغنية :كتاب شعري للأطفال (١٨٧٢-١٨٩٣) ، وقصيدة الموكب في عام ١٨٨١ و نضيف إليهم العديد من الروايات الواقعية و الخيالية أيضا. وقد غلبت على قصائد كريستينا النزعة الدينية و الصوفية التي كانت من خلالها تتأمل فيها علاقتها بالخالق وتحدثت أيضا عن الموت في بعض قصائدها و خصوصًا أثناء مرضها بالغدة الدرقية حيث كانت تترقب الموت في كل لحظة وكتبت العديد من رسائل الحب في بعض قصائدها وكانت تتضمن نصائح لمحبوبها بأنه لا يحزن بعد رحيلها وكانت تتسم هذه القصائد بنزعة وجودية فلسفية تعكس إيمانها الشديد بالله و التسليم للقضاء والقدر وقد تعرضت كريستينا للإكتئاب الشديد وذلك بسبب تعرضها للعديد من الأزمات المالية ونتيجة لذلك اضطرت في أواخر حياتها أن تعمل كمربية .

كتبت كريستينا العديد من المقالات الدينيه ودراسات في اللاهوت مما أحدث نوعًا من التناقض بين قصائدها المملوءة بالعشق والحب وعاطفتها المتوهجة وبين نزعتها الدينية التي تمثلت في الكثير من كتاباتها . ومن ناحية أخرى نجد أن حياة كريستينا العاطفية قد أثرت تأثيرا كبيرا على كتاباتها ولكن تكريس حياتها للحياة الدينية عطل تطور علاقاتها العاطفية وكان هذا بمثابة الوقود الذي أشعل وهج عاطفتها في قصائدها الرومانسية المملوءة بالعشق والوجد . حافظت كريستينا على نجاحها و توهجها واستمرت في الكتابة والنشر حتى آخر أيامها وقد أصيبت بسرطان الثدي في عام ١٨٩٣ وتوفت على اثره في عام ١٨٩٤ تاركة إرث عظيم من الشعر والروايات التي يتحاكى عنها الشعراء والأدباء والمثقفين حتى الآن .

‏مقالات ذات صلة

Back to top button