‏آخر المستجداتفنون وثقافة

ذاكرة الشعر تحضر في تكريم الشاعر الراحل الحسن حيضرة بمراكش

في ليلةٍ بدت كأنها استجابة خفيّة لنداء الشعر، التأم الشعراء والشواعر على ليلٍ من ليله، احتفاءً باليوم العالمي للغة العربية، لا بوصفه مناسبة عابرة، بل كطقس اعتراف بلغة الضاد، ككائن حيّ يتنفس في الذاكرة ويعيد تشكيل المعنى في الوجدان. جاءت كلمات الافتتاح بمثابة مفاتيح رمزية، أضاءت أفق التوسيم، وكشفت عن شروط التئامه، وعن نقاط التقاطع العميقة بين الحدث وروح الشعر العربي، بوصفه تراثًا يتجدد، وإنسانًا لا تحكمه الأزمنة ولا تحدّه الجغرافيات، عابرًا قارات القلوب ومقامات الإحساس.

وفي هذا الفضاء المشحون بالمعنى، الذي تهيأ بنظام أدبي شائق وحر، برئاسة الأديبة والجامعية الدكتورة أمل عباسي، في إطار فعاليات التنسيقية الجهوية للائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بمراكش ومركز عناية، والملتئمة بفضاء المكتبة الوسائطية الكدية بجليز، انطلقت اليوم الجمعة 26 دجنبر 2025، أصوات الشاعرات والشعراء كأنها استعادة أولى للكلمة في لحظة ولادتها، فصدحت بما اختزنته التجربة الإنسانية من وجعٍ وأسئلة وتوقٍ إلى المعنى. لم تكن القصائد ترفا لغويا، بل فعلا وجوديا، يرمم الشروخ، ويؤجج اللحظة، ويعيد للدهشة حقها، بشغفٍ وضيءٍ احتفى بالجمال بوصفه خلاصا، وبالبهاء باعتباره وعدا.

وقد ارتفعت نصوص الشعراء: جمال أماش، وفوزية رفيق، وصلاح الدين بشر، ولالة مالكة العلوي، ومبارك العباني، إلى مقامٍ يتجاوز حدود التصنيف، نثرا يتعالى على البلاغة المألوفة، وشعرا يسمو على أنثار المحابر، حتى غدت القصيدة نفسها أفقا للنبض، ومجالا رحبا للإلهام، حيث القول يبلغ منتهاه، والإنصات يصبح ضربا من الحكمة.

ولم يغفل اللقاء استدعاء الذاكرة، لا بوصفها حنينا، بل كمسؤولية أخلاقية وجمالية، حين استُحضر عنوان الدورة الموسومة باسم الشاعر والكاليغرافي المتصوف الراحل مولاي الحسن حيضرة: «اللغة العربية كلمة تُبدع ومستقبل يُكتب». هناك، كان قلم الأستاذ الدكتور فيصل أبو الطفيل بمثابة جسرٍ دافئ بين الغياب والحضور، يؤنس وحشة الفقد، ويوقظ جمرة الوجد، محاولا ملء فراغٍ لا يُملأ، لأنه في جوهره علامة على الخسارة الكبرى حين يرحل المبدعون.

واكتمالا للوحة، انتقل الجمال من الكلمة إلى الجسد والصوت، حيث قدّم فنانون مسرحيون، هم : احمدان محمد الحبيب وعصام محريم وعبد الغني بن يزة ومحمد الكردادي وأمال بوعثمان، قراءة ركحية لنص درامي عميق، بدا وكأنه امتداد آخر للقصيدة، قبل أن تُختتم الأمسية بإطلالة إنشادية غنائية أدّتها الفنانة سكينة مويس، فصار الصوت آخر تجليات المعنى، وتحوّل الختام إلى صدى طويل لليلةٍ كتبت نفسها في الذاكرة، لا كحدث، بل كتجربة وجود.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button