‏آخر المستجداتلحظة تفكير

ذ أحمد ابادرين : أي أفق للقضاء كسلطة؟

إن الشعب كان يمارس السلطة بجميع أصنافها بشكل مباشر عندما كان يجتمع في مكان يسع جميع أفراد الشعب. ولما تعذرت الممارسة على هذا الشكل بدأ الشعب يمارسها عن طريق انتدابات.

ويمارس الشعب ثلاث سلط تشريعية وتنفيذية وقضائية يقنن حسب الحاجة ويصدر جزاءات لردع من يضر بالمجتمع وينفذ الجزاءات. ثم جاءت الدساتير لتفرق بين السلط وترسم معابر العلاقة بينها لمراقبة بعضها البعض. لأن مفهوم الدولة لم يعد مجسدا في الحاكم أو في إرادته (تتذكرون أنه في أواخر القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر كان ملك فرنسا لويس 14 يقول أنا الدولة والدولة أنا.

** **

السلطة القضائية، المجلس الأعلى للسلطة القضائية، المؤسسة التدبيرية للقضاء أو المؤسسة التدبيرية للسلطة القضائية…

تستعمل كل هذه المسميات أو التسميات عند الحديث عن القضاء قبل وبعد إقرار دستور 2011 وكان الجميع يطالب بالارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة وكأن في ذلك مفتاحا وعلاجا لما يلاحظه الجميع من خلل.

** **

لنبدأ بتصورنا للسلطة القضائية أو للقضاء كسلطة لنرى بعد ذلك الوضع الاعتباري والمؤسساتي لها على ضوء مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالقضاة وبالمجلس الأعلى.

نحكم على المؤسسة (أية مؤسسة) من خلال الصلاحيات الموكولة إليها وكيفية أدائها لمهامها وليس من خلال الاسم الذي أعطي لها.

لما حضرنا أما اللجنة المختصة بصياغة الدستور القينا عرضا تحدثنا فيه عن تصورنا للسلطة القضائية وتقدمنا بمقترحات:

مهدنا لها بما يقوله الفقه الدستوري بأن الفصل بين السلط لا يعني الاستقلال في الرقابة وفي التدبير وأن مبدأ “السلطة تحدها سلطة” يقتضي أن تخضع كل سلطة لرقابة السلط الأخرى.

وبما أن الشعب هو مصدر كل السلط فإن آليات مساءلة ومراقبة هذه السلط ينبغي أن تتيح للشعب، إما مباشرة أو بواسطة منتخبيه ومختلف تعبيراته، إمكانية المساءلة والمراقبة؛ لأن إسناد سلطة بمقتضى الدستور لجهة دون التنصيص على آلية لمحاسبتها ومراقبتها يعتبر تشريعا للاستبداد والتسلط.

وإذا كانت السلطة التنفيذية (الحكومة) تخضع في أداء مهامها لرقابة السلطة التشريعية (البرلمان) فإن السلطة التشريعية هذه تخضع لرقابة الناخبين (أي الشعب الذي هو مصدر كل السلط) عبر صناديق الاقتراع وهذه الآلية متعارف عليها في كل دساتير العالم.

وبما أن القضاء أريد له أن يصبح سلطة بنص الدستور فإن هذه السلطة يجب أن تخضع لآلية محاسبة ومراقبة نابعة من الشعب باعتباره مصدر كل السلط حتى لا تنحرف عن دورها في دعم أسس الحكم (العدل أساس الملك).

وبما أن وظيفة القضاء تتولاها مؤسسة تشارك فيها عدة مكونات (قضاة، محامون، كتاب الضبط، مفوضون قضائيون، خبراء، ضابطة قضائية، سلطة إدارية، ومتقاضون) وكل مكون من هذه المكونات له دور في ماكينة العدالة. (جرى العمل بلجان ثلاثية تستعرض وتعالج خلل ومعوقات سير عمل المحاكم لكنها تقتصر على الرئيس الأول والوكيل العام والنقيب)

هذه المؤسسة التدبيرية (جهاز نتحدث عنه دون تصوره كل واحد يتشكل في مخيلته على شكل خاص) لآلة العدالة يجب أن تقوم بكل ما من شأنه أن يرجع ثقة المواطنين بالقانون وبالعدالة.

كلنا متفقون على أن غايات المحاكمة العادلة هي تحقيق العدل بمفهومه المجتمعي، لأن الحق والعدل لهما مفهوم مجتمعي، وعندما ينطق القاضي بحكم ويخرج الناس مستائين فإن ذلك يعني أن القاضي لم يوفق في ترجمة الحق والعدل كما يراه ويريده المجتمع.

وشروط القيام بذلك تقتضي أن تكون مكونات العدالة على قرب من هموم المجتمع وثقافته، وذلك عن طريق الإنصات لمختلف تعبيراته واستيعابها بما يخدم رسالة العدل السامية حتى يسترجع الناس ثقتهم بالقانون وبالعدالة (هذا حلم تختلف مستويات الناس فيه).

لأنه عندما يفقد المواطنون الثقة في جهاز العدالة بكل مكوناته فذلك دليل على أن هنالك خللا في تدبير هذا القطاع بدءا بطريقة الولوج وانتهاء بمنهجية التأطير والرقابة وهو ما يدخل ضمن السياسة العدلية التي ستختص هذه المؤسسة التدبيرية برسم معالمها وتحديد حاجيات القطاع العدلي بكل مكوناته (وكنا اقترحنا إعادة النظر في طريقة الولوج للسلك القضائي مستحضرين قولة آينشتاين “الأوضاع الفاسدة لا يمكن إصلاحها بنفس العقليات التي أنتجتها” واقترحنا استقطاب القضاة من المحامين والخبراء والمفتشين الماليين والإداريين والمحاسبيين وكتاب الضبط والمفوضين القضائيين ممن تتوفر فيهم الكفاءة والقدرة والأهلية والاستقامة والنزاهة للاستفادة من خبراتهم).

فهل نجد في مشاريع القوانين التنظيمية الخاصة بالقضاة وبالمجلس الأعلى للسلطة القضائية بل وفي الدستور أيضا ما يعزز هذا التصور؟

** **

اسمحوا لي أن أعبر عن خيبة أملي لعدم وضوح التصور ليس فقط لدى السلطة الحكومية التي هيأت مشاريع القوانين التنظيمية موضوع هذا اليوم الدراسي بل عدم وضوح التصور لدى واضعي الوثيقة الدستورية أيضا.

فالمادة 107 من الدستور تقول: السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية. الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية.

و(الفصل 82 من دستور 1996 كان يقول: القضاء مستقل عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية).

الجديد إذن هو التسمية فقط

في مشروع دستور 1908

المادة 57 تقول ما يلي: السلطان يعين … قاضي قضاة فاس… وتضيف المادة 66 على أن: القضاة وأهل الفتوى، والعدول يعينهم قاضي القضاة بموافقة مجلس الشرفاء.

الدستور ليس هو الذي يعطي السلطة، الدستور ينظم كيفية ممارسة السلطة ويحدد آلية مراقبتها. لأن امتلاك السلطة يخضع لموازين قوى والقوي هو الذي يمتلك السلطة.

ثم تطورت الأمور ليصبح القضاء وظيفة من وظائف الدولة وأحدثت آليات للمساءلة والمحاسبة وأيضا لتعويض ضحايا عمل هذه الوظيفة.

فهل الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية يعفي الدولة من الضمان.

انتبهوا؛

القاعدة تقول بأن تحقيق العدل مسئولية من مسئوليات الدولة وهي المسئولة عن ضمان الإنصاف لكل المتقاضين انطلاقا من التزامها بضمان حقوق الإنسان لجميع المواطنين (في ديباجة الدستور نقرأ: المملكة المغربية تتعهد وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا).

في هذا الإطار فإن دول الاتحاد الأوروبي وافقت على اتفاقية تسمى الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وتنص في المادة 19 منها على ما يلي:

لضمان احترام الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف المتعاقدة في هذه المعاهدة تنشأ:

أ- لجنة أوروبية لحقوق الإنسان، يشار إليها فيما بعد باسم “اللجنة”.

ب- محكمة أوروبية لحقوق الإنسان، يشار إليها باسم “المحكمة”.

وتوالت ولا تزال تتوالى بروتوكولات ملحقة بهذه الاتفاقية بمثابة مساطير تبين كيفية رفع الشكايات والعرائض إلى اللجنة وإلى المحكمة وهذه تحكم على الدولة المعنية بأداء تعويض للمواطن المشتكي عن الضرر الحاصل له من جراء حكم صادر عن دولة عضو بعد استنفاذ كافة طرق الطعن المتاحة محليا دون إلغاء الحكم الصادر عن محاكم الدولة المعنية احتراما لمبدأ السيادة.

معنى ذلك أن دول الاتحاد اتفقت كلها على التنازل عن جزء من سادتها من أجل ضمان حقوق الإنسان لمواطنيها.

** **

قراءة الفصل 122 من دستور 2011 الذي ينص على أنه: يحق لكل من تضرر من خطإ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة. توحي بأننا ننحو اتجاه النظام الأوروبي الذي يعتبر الدولة مسئولة عن تحقيق العدل والإنصاف وبالتالي شرعية مراقبة العمل القضائي البعدية والقبلية (Affaire d’Outrou) غير أن السلطة الحكومية التي وضعت مشروعي القانونين التنظيميين موضوع هذا اليوم الدراسي لم تعالج مسطرة تطبيقية لتنزيل مقتضى هذا الفصل 122 من الدستور.

هل لأن القضاء أريد له أن يبقى وظيفة من وظائف إمارة المومنين؟ (نقرأ في الخطاب الملكي لتاريخ 20 غشت 2009) ما يلي: وفي صدارة المرجعيات، ثوابت الأمة، القائمة على كون القضاء من وظائف إمارة المؤمنين، وأن الملك هو المؤتمن على ضمان استقلال السلطة القضائية.

هل لهذا السبب تجنبت السلطة الحكومية تنظيم طرق البت في الشكايات والتظلمات من الأحكام القضائية النهائية؟

وهل لهذا السبب أيضا تجنبت السلطة الحكومية تنظيم طرق الطعن في القرارات التي يصدرها المجلس الأعلى للسلطة القضائية في مادة التأديب؟ ألا يعتبر الطعن حقا من حقوق الإنسان؟

مؤسسة الوسيط والمجلس الوطني لحقوق الإنسان تجيب المتظلمين بأن الموضوع خارج عن اختصاصاتها كلما ظهر لها أن القضاء استنفذ رأيه في الموضوع ولا تكلف نفسها عناء البحث في الإنصاف هل تحقق بالحكم القضائي أم لا.

وإذا كانت الأحكام التي تصدر عن القضاء هي عنوان الحقيقة عند هاتين المؤسستين (مؤسسة الوسيط والمجلس الوطني لحقوق الإنسان) فما قيمة الفصل 122 من الدستور الذي يعترف لأول مرة في المغرب بحق كل من تضرر من خطإ قضائي في الحصول على تعويض تتحمله الدولة؟

صحيح أن الفصل 122 يتحدث عن الخطأ ونحن نقول كل حكم غير منصف فهو خطأ.

هل نفهم من ذلك أن واضعي الدستور والسلطة الحكومية كلهم مشدودون إلى النظرية التي تعتبر وظيفة القضاء من وظائف الإمامة وبالتالي لا يمكن التنزيل من قيمة الأحكام التي تصدرها بإقرار تعويض لأحد أطرافها؟

** **

المادة 12 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان المعتمد من قبل القمة العربية السادسة عشرة التي استضافتها تونس بتاريخ 23 مايو 2004 تنص على أن: جميع الأشخاص متساوون أمام القضاء. وتضمن الدول الأطراف استقلال القضاء وحماية القضاة من أي تدخل أو ضغوط أو تهديدات، كما تضمن حق التقاضي بدرجاته لكل شخص خاضع لولايتها.

وتنص المادة 19 منه على أنه: … لكل متهم ثبتت براءته بموجب حكم بات الحق في التعويض عن الأضرار التي لحقت به.

أما إذا تمت إدانته بحكم بات غير منصف فلا ينص الميثاق على إمكانية تعويضه، حتى فكرة الخطأ القضائي غير واردة في أذهان واضعي هذا الميثاق. وهذا الاتجاه هو الذي تجاوزناه نحن في المغرب بمقتضى الوثيقة الدستورية لسنة 2011 إلا أننا لم ننكب بعد على وضع آلية لتنزيل هذا المستجد المضمن في الفصل 122 من الدستور.

** **

من مقاصد مؤسسة الوسيط مبدأ سيادة القانون والإنصاف.

وإذا كان تحقيق الإنصاف معناه هو رفع الظلم، فإن الظلم تتعدد مصادره؛ إذ يمكن أن ينتج عن قرار إداري أو عن نص تشريعي أو عن حكم قضائي. بمعنى أعم الظلم يمكن أن ينتج عن عمل جميع السلط التشريعية والتنفيذة والقضائية.

وإذا كانت المحاكم الإدارية تختص بالنظر في التظلمات من القرارات الإدارية ومن آثار بعض القوانين، مثل نزع الملكية والتحديد الغابوي، فإنها غير مختصة بالنظر في التظلمات من الأحكام القضائية.

** **

سؤال:

هل يملك القاضي صلاحية إلغاء ظهير أو مرسوم بسبب ما نتج عنه من ضرر للمتظلم؟ وهل يملك القاضي صلاحية تعويض متظلم من ظهير أو مرسوم؟

اسمحوا لي أن أستحضر بالمناسبة قضيتين نموذجيتين لا زالتا عالقتين في انتظار إنصاف أصحابها.

القضية الأولى تخص مقررات لجنة البحث المصادق عليها بظهير سنة 1957

ذلك أنه خلال سنة 1958 أصدرت هيئة سميت آنذاك (لجنة تقصي الحقائق) المؤسسة بالظهير الشريف رقم 1031.58.103 المؤرخ في 27 مارس 1958، قرارا يقضي بأن إدريس بن عمر السكتاني، المتوفى آنذاك منذ سنتين، يعتبر متعاونا مع الاستعمار، وقضى بتجريده من حقوقه المدنية والسياسية مفترضا بذلك أنه لا زال حيا، كما قضى بمصادرة أملاكه.

ويمكن للجنة أن تحكم بإحدى هذه العقوبات أو بعدد منها ولها أيضا أن تقرر- إما أصليا أو إضافيا – مصادرة أملاك الأشخاص الواردة ذكرهم في الفصل الثاني – كلا أو بعضا- إذا ما ثبت خلال البحث أن ثروتهم اكتسبت كلها أو بعضها إما بطريق غير مشروعة وإما بتجاوز الحد في استعمال السلطة أو استغلال النفوذ.

لجنة تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في مجال جبر الأضرار أصدرت مقررا رقم 15111 بتاريخ 13 ابريل 2007 في الملف عدد 15591 يقضي بما يلي:

أولا: باختصاصها للنظر في الطلب الذي تقدم به السادة ذوو حقوق المرحوم ادريس بن عمر السكتاني والمتعلق باغتياله سنة 1956 بمراكش.

ثانيا: عدم اختصاصها للنظر في الطلب المتعلق باسترجاع أملاكه.

وقد عللت اللجنة مقررها بخصوص طلب إرجاع الممتلكات بما يلي:

(وحيث إنه بخصوص الطلب المتعلق باسترجاع الأملاك المصادرة، فإنه يتضح مما سبق ذكره أعلاه، أن ممتلكات المرحوم ادريس بن عمر السكتاني صودرت بمقتضى قرار صادر عن لجنة تقصي الحقائق المحدثة بظهير مؤرخ في 27 مارس 1958، وأن الظهير الصادر بتاريخ 8 نونبر 1963، لم يقض إلا بعفو جزئي بشأن هذه الممتلكات الأمر الذي يظهر معه أن موضوع البت في استرجاع الممتلكات المصادرة وفق ما أشير إليه أعلاه، يتطلب مراجعة الظهيرين المذكورين، وهو أمر يخرج عن نطاق اختصاص هيئة الإنصاف والمصالحة بمقتضى المادة التاسعة من نظامها الأساسي، الأمر الذي يستوجب التصريح بعدم الاختصاص).

مؤسسة والي المظالم سبق لها أن أجابت بعدم اختصاصها للنظر في القضية ونفس القرار أكدته مؤسسة الوسيط.

المجلس الوطني لحقوق الإنسان لم يجب على التظلم كما لم يجب رئيس الحكومة.

الديوان الملكي لا يجيب.

مما يطرح السؤال عن الآلية الحمائية لحقوق المواطنين المتظلمين.

** **

القضية الثانية قصة صدور حكم بإفراغ منزلين للسكنى وإرجاعهما إلى مالكهما الشرعي ونفذ الحكم بالإفراغ وسلمت المفاتيح لجهة دون التعريف بهويتها في الحكم ودون أن تكون طرفا فيه وظل المسئولون القضائيون وفي الإدارة المركزية للعدل يتسترون على الجهة التي نفذ الحكم لصالحها.

ولما طالبنا قضائيا بالتعويض قضت المحكمة بعدم قبول الطلب لعلة أن الفعل المتظلم منه هو حكم قضائي نهائي (انظر كتاب إني بريء).

** **

أعود إلى السؤال لأقول بأنه باستحضار هذين النموذجين لا تبدو لي في الأفق قدرة القضاء على إنصاف المتظلمين حتى ولو سمي سلطة قضائية.

خطاب الملك في 17 يونيه 2011 (الاستفتاء يوم 1 يوليوز 2011) تحدث عن ترسيخ سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، تكريسا لاستقلال القضاء، الذي نحن له ضامنون; وذلك بالنص صراحة في مشروع الدستور الجديد، على أن النطق بالحكم إن كان يتم باسم الملك، فإنه يتعين أن يصدر بناء على القانون… كما تم توسيع اختصاصات المجلس، لتشمل، علاوة على تدبير الحياة المهنية للقضاة، مهام التفتيش وإبداء الرأي في النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالقضاء وتقييم منظومته… ورفع تقرير سنوي عن وضعية القضاء إلى الملك ورئيس الحكومة ونشره بالجريدة الرسمية. وفتح المجال لجمعيات المجتمع المدني لرفع تقاريرها عن تقييم منظومة العدالة إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

عدد أعضاء المجلس (20) إضافة إلى الملك كرئيس ويعقد دورتين في السنة.

القاضي موظف له راتب ومعاش تقاعد وتبقى مهامه محدودة في إصدار الأحكام ويخضع في أدائه لتقييم من قبل رؤسائه (الباب السادس من مشروع النظام الأساسي للقضاة). يراعي هذا التقييم جملة من المعايير منها درجة التزامه بمدونة السلوك التي يضعها المجلس الأعلى للسلطة القضائية طبقا للفصل 96 من النظام الأساسي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ومن أهم ما شد انتباهي – حسن التعامل والإصغاء للمتقاضين وباقي المتدخلين بما يضمن التطبيق العادل للقانون.

حسن التعامل والإصغاء يختلف من قاض لأخر ولا أدري كيف يمكن تقييم الأداء على هذا المستوى.

القاضي الذي يدخل الجلسة ويقف له الناس احتراما له ولهيبة القضاء وقبل الجلوس يرد التحية السلام عليكم ثم يجلس ويشير إلى الحضور بالجلوس؛ هذا القاضي يجلب الاحترام لنفسه وللمحكمة يقدره الناس ويحترمون قراراته. أما الذي يدخل قاعة الجلسة ولا ينتبه لهذه الإشارات أو يصيح غاضبا في وجه الغافل عن الوقوف فلا نملك إلا الدعاء له بالتوفيق.

المادة 103 من مشروع النظام الأساسي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية تنص على أن المجلس يبدي رأيه في:

ـ مشاريع ومقترحات القوانين والنصوص التنظيمية المتعلقة بوضعية القضاء ومنظومة العدالة؛

– استراتيجيات وبرامج الإصلاح، في مجال العدالة، التي تحيلها الحكومة إليه؛

– التدابير الكفيلة بالإسهام في تحسين جودة ومردودية منظومة العدالة.

نخلص مما سبق أن القاضي لا يعتبر عضوا في جهاز السلطة القاضية وعلاقته به مثل علاقة أي مواطن بالأجهزة التي يشارك في انتخابها بل إنه مجرد موظف في الجهاز القضائي.

** **

القضاة يعتبرون أنفسهم هم وحدهم الذين يجب أن تتشكل منهم هذه المؤسسة التدبيرية (يجسدونها في مجلسهم الأعلى) ويطلبون زيادة على ذلك أن يبتعد عنهم وزير العدل. ويتذرعون في ذلك بكون مجلسهم يمارس مهام التأديب ويرفضون أن يشاركهم في هذه المهمة أي أجنبي عن السلك القضائي. (بيان الودادية الحسنية للقضاة المتضمن مقترحها المرتبط بإصلاح القضاء المرفوع لأعضاء اللجنة الخاصة بمراجعة الدستور) وجاء في هذه المقترحات:

ومن مهامها (المجلس الأعلى للقضاء الهيئة الاستشارية العليا…) وحرصا على استمرار هذا النهج البناء، فإننا نعتزم إيجاد هيأة استشارية قارة، تعددية وتمثيلية، تتيح للقضاء الانفتاح على محيطه، وتشكل إطارا مؤسسيا للتفكير وتبادل الخبرات، بشأن القضايا ذات الصلة بالعدالة. وذلك في احترام لصلاحيات المؤسسات الدستورية، واستقلال السلطة القضائية، واختصاصات السلطات العمومية (خطاب الملك 20 غشت 2009).

أما نحن فقد اقترحنا لهذه المؤسسة السهر على حسن تنفيذ السياسة الجنائية والإشراف على التكوين والتكوين المستمر لمختلف الفئات العاملة في قطاع العدالة والتفتيش وإعداد تقارير بشأن الإخلالات التي قد تسجل في حق أي عنصر من العناصر التي تشارك في تحقيق العدالة وتحيل تلك التقارير على الهيئة التي ينتمي إليها العنصر المخل بالسلوك وقواعد المهنة المنصوص عليها في القانون المنظم للمهنة التي ينتمي إليها (قاض، محام، مفوض، كاتب ضبط، خبير، ضابط،…).

مع ضمان الحق في الطعن في كل القرارات التي تصدرها هذه الهيئات بصفة تأديبية.

بكل أسف لا زال الموضوع بحاجة إلى المزيد من الجهد وأرى أن الخلل كامن في عدم وضوح التصور حول مفهوم السلطة وآلية ممارستها واختصاصاتها.

ــــــــــــــــ

ـ مداخلة الأستاذ أحمد ابادرين في اليوم الدراسي حول مشروعي القانونين التنظيميين الخاصين برجال القضاء والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، يوم الجمعة 31 يناير 2014 بالقاعة الكبرى للمحاضرات، بفندق الدوليز بسلا ابتداء من الساعة الثالثة بعد الزوال، من تنظيم المنتدى المغربي للقضاة الباحثين، ومجلة البحوث الفقهية والقانونية.

*احمد ابادرين المحامي بهيئة مراكش

ـ رئيس سابق للجنة الدفاع عن حقوق الإنسان

ـ عضو سباق بالمكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ورئيس فرعها بمراكش

ـ عضو سابق بمجلس هيئة المحامين بمراكش لفترتين متتاليتين.

‏مقالات ذات صلة

Back to top button