فنون وثقافةلحظة تفكير

ترجمة وتقديم : د سارة حامد حوَّاس: ثلاث قصائد لكلوديا إميرسون “دفترُ اليوميَّات” و”أثر و”تمرينُ إِطفَاءٍ”

سيرة ذاتية مؤلمة تحصد  جائزة البوليتزر تحت شعار ” الصدق يفوز دائما ”

هل الألم بوابة الوصول للنجاح أم الصدق أم الاثنان معًا ؟ أجابت الشاعرة الأمريكية كلوديا إميرسون عن كل هذه التساؤلات من خلال شعرها ولقاءاتها العديدة التي أبرزت ملامح شخصيتها العفوية التلقائية الصادقة وأوضحت أن الصدق والألم ، يؤديان إلى طريق النجاح والمجد معًا.

ولدت الشاعرة الأمريكية كلوديا إميرسون بمدينة شاتهام بولاية فيرچينيا في الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٥٧ وتوفيت إثر إصابتها بمرض السرطان عام ٢٠١٤. وقد تأثر شعرها بالتقليد السردي الجنوبي سيرًا على خُطى الشاعرة الأمريكية إلين براينت فويجتEllen Bryant Voigt (١٩٤٣) والشاعرة الأمريكية بيتي أدكوك Betty Adcock (١٩٣٨) والكاتب الأمريكي ويليام فوكنر William Faulkner (١٨٩٧-١٩٦٢) الحائز على جائزة نوبل في الآداب.

وحازت كلوديا إميرسون على جائزة البوليتزر عام ٢٠٠٦ عن كتابها ” الزوجة الأخيرة ” Late Wife الذي يضم العديد من ”القصائدالرسائلية ”epistolary poems الموجهة إلى زوجها الأول -طليقها- وزوجها الثاني إيبوليتو Ippolito الذي توفيت زوجته السابقة إثرإصابتها بمرض سرطان الرئة، فقد أكدت في أحد اللقاءات أن كتابة هذه القصائد الرسائلية كانت وسيلة للتعامل مع مشاعرها نتيجة وقوعهافي حب رجل توفيت زوجته السابقة مصابة بمرض السرطان ثم نظرت بعد ذلك على زواجها السابق وجدت الشعر فيه أيضا فقالت ” إننيأتعامل مع العالم من خلال الشعر ”.

كتبت كلوديا إميرسون آلامها في شعرًا وصفيًّا ، استطاعت من خلاله أن تصف مشاعرها الداخلية الخفية التي تعبر عن  نساءكثيرات قدمررن بالموقف نفسه ، كما استطاعت بلغتها العذبة أن تعبِّر  عما يختلج في نفسها من شعور بالألم لوجود أثر لزوجة سابقة متوفية لزوجها الثاني فكانت تشعر بآثارها في كل ركن في المنزل حتى الغطاء الذي قد استخدمته مع زوجها شعرت كأنه ظلٌّ لزوجته المتوفية وعبرت عنذلك الشعور المؤلم في قصيدة ” أثرٌ” Artifacts. يمتاز شعر إميرسون بالإيقاع والسرعة والسرد والتدفُّق كما أنه شعرٌ موسيقي Musical أي عندما تدقِّقُ النظر إلى شعرها وتغوص في مفردات وبناء قصائدها تجد أن شعر إميرسون له علاقة وثيقة بالأغنية ، فالأغنيةكانت لها عظيم الأثر في رحلتها الإبداعية، كما أنها تمتاز بوصف تفاصيل دقيقة واقعية عاشتها بالفعل في مفردات شعرية بسيطة مُعبِّرة تخترقُ القلب والروح من فرط دقتها في الوصف والتعبير عما رأته و عاشته في منزل زوجها الثاني وتُمثِّل ذلك على سبيل المثال في قصيدة ” أثرٌ” Artifacts وقصيدة ” دفتر اليوميات”Daybook ، وبرغم تأثر إميرسون بكل هذه التفاصيل الخاصة بطلاقها وزواجهاالثاني والذي يدل على أنها شخصية رقيقة وحساسة ورومانسية فإن لغتها الشعرية جاءت واقعية وصفية من طراز فريد لا تحمل رسائلضمنية أو خفية ، تتسم بالوضوح والصدق والصراحة.

أما عن بدايتها في كتابة الشعر فقالت في أحد اللقاءات أنها بدأت كتابة بعض الأغاني وبعض الشعر في سن المراهقة و كتبت بعضالقصص أثناء دراستها في الجامعة ،أما عن كتابة الشعر فقد بدأتها في نهاية سن العشرين و الذي ساعدها على الكتابة في بداية الأمرعملها في مكتبة  لبيع الكتب المستعملة و كان إذا لم يزرها أحد فيتاح لها الفرصة لقراءة الكثير من الكتب من دون توقف و لفترات طويلة، وقالت أيضا إن قصائدها مزيجٍ من الصور المختلفة و الذكريات والمشاعر فكانت دوما تحتفظ بدفتر لتدون أفكارها و مشاعرها أولا بأول لأنقراءاتها الكثيرة كانت تلهمها الكتابة في أي وقت ، فيمكنها خلق قصيدة كاملة من استعارة جميلة قرأتها في نصٍّ ما .

كشفت إميرسون عن سر موسيقية شعرها وقالت إنها كانت تتلقى دروسا في البيانو كما أنها عازفة جيتار أيضا ، وأكدت أن إيقاع الموسيقى السريع والبطيء قد انعكس  على إيقاعية قصائدها الشعرية وتدفقها . وقالت إميرسون إنها كانت تحول قصائدها الشعرية إلى أغاني وكان زوجها يساعدها في ذلك بوصفه عازفا فكانت على سبيل المثال تأخد سطرا من قصيدة لها وتبني عليها أغنية كاملة بمساعدةزوجها.

أما عن الأماكن التي تحب أن تكتب فيها ، فقالت إنها اعتادت الكتابة في مقهى وقالت إنها كتبت كتاب ” الزوجة المتأخرة ” في المقهىنفسه واستمرت في الذهاب إليه للكتابة حتى أغلق ومن ثم تعرفت الكثير من الناس التي اعتادت أن تتحدث معهم في شتى أمور الحياة ، حينها اشترت ستوديو صغيرا بمدينة فريديركسبيرج ، و وجدت بعد ذلك أنها لم تنجز شيئا في هذه الفترة واعتادت بعد ذلك النهوض مبكرامن النوم وقد ساعدها على ذلك وظيفتها كمُدرِّسة.

 وكانت تكتب كل صباح في دفتر و تطلع دوما على ملاحظاتها الشعرية التي تدونها، وتذهب لممارسة بعض الرياضة كالمشي والجرى وقالت برغم محاولاتها اتباع جدول معين للعمل  فإنها كانت لا تتبعه في بعض الأحيان فتارة لا تنجز شيئا في يوم أو أسابيع أو شهر وتارة أخرى تنجز عشرة أشياء في الوقت نفسه وقالت إن باستطاعتها الكتابة في المطارات – شأنها شأن بعض الشعراء الكبار -في مصر والعالم.

أهم أعمال كلوديا إميرسون : كتاب فرعون فرعون Pharoah Pharoah عام ١٩٩٧ والزوجة الأخيرة Late Wife عام ٢٠٠٥ ودراسات الشكل Figure Studies عام ٢٠٠٨ وحماية الظل Secure the Shadow عام ٢٠١٢ والمنزل المقابل The Opposite House عام٢٠١٥ و الزجاجة المستحيلة The Impossible Bottle عام ٢٠١٥و كلودي قبل الزمان والمكان Claude before Time and Space عام ٢٠١٨، وبالإضافة إلى جائزة البوليتزر التي قد حازتها  ، فقد نالت  العديد من الجوائز الكبرى مثل جائزة أكاديميةالشعراءالأمريكيين وجائزة الصندوق الوطني للفنون وعُينت شاعرة البلاط بفرچينيا من ٢٠٠٨ إلى ٢٠١٠.

كلوديا إميرسون  متعددة المواهب ، مجتهدة و دؤوب و أرى أن إصابتها بمرض السرطان و وفاتها مبكرا قطع طريقا كان مليئًا بالنور والنجاح و الكثير من الجوائز الشعرية الكبرى العالمية ، و لكنَّ عزاءنا أن أعمالها المتفردة المتميزة باقية لتلهم و تعلم أجيالا كثيرة من محبي الشعر.

دفترُ اليوميَّات (Daybook)

هذا وَقتُ وَفَاتِهَا أَنتَ حَفظتَهُ.

أَجِدُ تحتَ الدَّرَجِ

صُندُوقًا مَملُوءًا بالصُّوَرِ

دَفتَرَ يَومِيَاتِهَا  لعَامٍ مَضي

و مُفَكِّرةً لرِوَايةٍ

لم تَكُن تَنوِي كِتَابَتَهَا.

في خِضَمِ الأَيَّامِ

كانت عادَتُهَا 

تَسجِيِلَ ما يُمكنُ مَحوُهُ و نَقلُهُ

بالقَلَمِ الرَّصَاصِ

و احتفظتْ باللونِ الأسْوَدِ

-الذي لا يُمحَى –

لِمَا لا يُمكِنُ تَغييرُهُ:

عَيدُ مِيلاَدِكَ ، عَيدُ مِيلاَدِي ، الذِكرَى السَنَوِيةُ الخَاصَّةُ بِكَ

و بِتِلكَ اليَدِ الحَاسِمةِ نَفسِهَا ،

بَدَأ المَرَضُ يُخِلُّ بِالنِظَامِ 

لَكِنَّهَا لم تَمحُ شَيئًا.

الآنَ و بعدَ أيَّامٍ

من ادِّعاءِ المُستَشفَى

ظَهَرَتْ كَلمَاتُهَا الأولى

الخَفِيَّةُ البَاهِتةُ 

 لكِنَّهَا أكِيِدَةٌ،

كصُورِ الأضلَاعِ

التي تَحتَضِنُ

رِئَتَيْنِ و لَحمًا

مَنسِيًّا بِلَونِ الحَليِبِ

كالماءِ يُمكِنُكَ أَنْ تَرَى القاعَ منْ خِلاَلِهِ.

أثَرٌ (Artifact)

كُنتَ تَعِيشُ في مَنزِلِكَ

كما كَان قَبل وفَاتِهَا  بثَلاث سَنَواتٍ.

صُورةُ زِفَافِكَ

على رَفِّ المِدفَأةِ

مَلابِسُهَا مُعَلَّقَةٌ في الخِزَانةِ

 ولا يزَالُ شَعْرُها في الفُرشَاةِ.

 أخبَرتَنِي أنَّكَ تَخَلَّيتَ

عن كُلِّ شَيءٍ 

ثُم بِعتَ المَنزِلَ

واحتَفَظتَ فَقَط

بِصَلِيِبِ التَّعمِيِدِ

الذي كانت تَرْتَدِيه.

اسمُهَا مَحفُورٌ و مَخطُوطٌ

في جَانِبٍ سُفلِيٍّ ذَهَبِيٍّ

خَاتِمُك في الصُّندُوقِ نَفسِه.

تِلك الصُّوَرُ التِي ما زِلتَ تَتجَنَّبُهَا ،

والغِطَاءُ  الذي فَرَشتَهُ على سَرِيرَكَ المُستَعَارِ ؛

مُجَرَّد أشيَاءٍ صَغِيرةٍ.

لقَد أخبَرتَنِي أنها فَعَلتهَا ؛

بعد أشهِرٍ من لقَائِنَا ؛

بعد أن كُنَّا قد نِمنَا بالفِعِلِ

تحت نَسيِجِهِ الرَّقِيقِ المُنَسَّلِ.

كَمَا لو كُنَّا تحت ظِلّهَا

تَتَحرَّكُ مَعنا 

تِلكَ النَاعِمَةُ المُعْتِمَةُ.

تمرينُ إِطفَاءٍ (Fire Drill)

تُوقِظُهُم الأَجرَاسُ من النَّومِ

تَتَجَلَّى تَخَيلاتُهُم

تَسْرُدُ كُلَّ ما قِيِلَ لهُم:

سَتَائِرُ من نَارٍ ، المَضَاجِعُ،

قِمصَانُ النَّومِ، شَعْرُهُمُ

شَعْرُهُمُ.

لقَد مَارَسُوا هَذا الهُرُوبَ

من قَبل

عَرَفُوا كَيفِيةَ إِغْلاَقِ النَّوافِذِ

أخِيرًا.

يَنزِلُونَ في رَحَلاتٍ مُظْلِمَةٍ

على السَّلَالِمِ في صَمتٍ

مُتَمَرِّسٍ.

لِيَصطَفُّوا ، حُفاةَ الأقدامِ

في العُشبِ المُبَلَّلِ بِالنَّدَى

قُبَالَةَ المَبنَى 

يَتَظَاهَرُون بِمُشَاهَدَتِهِ

وهو يَحتَرِقُ.

‏مقالات ذات صلة

Back to top button