
(كش بريس/التحرير)ـ أصدرت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بفاس، بتاريخ الثلاثاء 11 نونبر 2025، حكماً بالإدانة في واحدة من أبرز القضايا المرتبطة بالفساد المالي والإداري في المؤسسات العمومية، قضت بموجبه بالسجن النافذ لمدة ثماني (8) سنوات في حق المدير العام السابق لشركة “عمران الشرق”، بعد مؤاخذته من أجل اختلاس وتبديد أموال عمومية، وفقاً لأحكام الفصلين 241 و242 من القانون الجنائي المغربي.
كما شمل الحكم إدانة موظف بمصلحة المعلوميات ومقاول بخمس سنوات سجناً نافذاً لكل منهما، وموظف آخر بثلاث سنوات، ومسير شركة بسنة واحدة، في حين تمت تبرئة أربعة متهمين لعدم كفاية الأدلة.
تعود فصول القضية إلى شكاية رسمية تقدم بها المدير العام الحالي لمؤسسة “عمران الشرق” إلى النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بفاس سنة 2024، تهم سلفه وعدداً من الموظفين والمتعاونين الخارجيين، بتهم تتعلق بـ: اختلاس وتبديد أموال عمومية عن طريق التلاعب في صفقات الأشغال العمومية. واستغلال النفوذ وبيع عقارات تابعة للدولة بأثمنة بخسة لأقارب وشركاء، ثم إعادة بيعها بأضعاف قيمتها. وتزوير وثائق ومستندات محاسباتية لإخفاء آثار الاختلالات المالية. وإقصاء منافسين من الصفقات عبر التواطؤ واستعمال أساليب احتيالية، وهو ما يشكل جريمة معاقباً عليها بمقتضى الفصل 505 مكرر من القانون الجنائي.
وتشير معطيات التحقيق إلى أن القيمة الإجمالية للأموال المختلسة والمبددة بلغت حوالي 61 مليار سنتيم، وهو رقم ضخم يعكس جسامة الفساد الإداري والمالي الذي طال مؤسسة عمومية ذات طابع استراتيجي في مجال التهيئة الحضرية والإسكان.
اعتمدت النيابة العامة في إحالة الملف على مقتضيات الباب الثالث من القسم الثالث من القانون الجنائي المتعلق بـ الجرائم الماسة بالأموال العامة، وبخاصة، الفصل 241: الذي يجرم اختلاس أو تبديد الأموال العمومية من طرف موظف عمومي أو من في حكمه. والفصل 248: المتعلق بالمشاركة في الجرائم المالية. والفصل 250: بخصوص استغلال النفوذ لتحقيق منافع شخصية. والفصل 351: المتعلق بالتزوير في محررات رسمية.
وقد أبرزت المحكمة، من خلال تعليلها، أن صفة “الموظف العمومي” تنطبق على المدير العام بحكم إدارته لمؤسسة عمومية خاضعة لوصاية الدولة، وهو ما يجعل الأفعال المرتكبة تدخل ضمن اختصاص غرفة جرائم الأموال.
أمر الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بفاس، بتاريخ 9 يناير 2025، بوضع المدير العام السابق وموظفين اثنين تحت تدبير الحراسة النظرية، مع فتح مذكرة بحث دولية في حق متهمين في حالة فرار، لتخلفهم عن الحضور أمام الفرقة الجهوية للشرطة القضائية.
وبعد استكمال الأبحاث وتعميق التحريات المالية والتقنية، أحيل الملف على قاضي التحقيق الذي أصدر أوامر بالإيداع في السجن المحلي، قبل أن تحال القضية على غرفة الجنايات الابتدائية.
يكرّس هذا الحكم عدداً من المبادئ القانونية والقضائية الهامة، منها عدم التسامح مع الجرائم المالية التي تمس المال العام، واعتبارها جرائم خطيرة تهدد الثقة في الإدارة العمومية. وتفعيل المراقبة القضائية الصارمة على المؤسسات ذات الطابع العمومي وشركات التنمية المحلية وشبه العمومية. وتجسيد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، انسجاماً مع مقتضيات الفصل 154 من الدستور المغربي. والتأكيد على أن الصفة الإدارية الرفيعة لا تمنح الحصانة ضد المساءلة الجنائية.
إن الإدانة الصادرة ضد المدير العام السابق لـ“عمران الشرق” تشكل رسالة واضحة مفادها أن زمن الإفلات من العقاب في جرائم المال العام بدأ يتراجع، وأن القضاء المغربي يتجه نحو ترسيخ ثقافة الشفافية والنزاهة المؤسسية.





