لحظة تفكير

         هناء متولي: ارحلي بعيدًا يا سمينة ( قصة قصيرة )

القائمة الأوليَّة للمواصفات الإلزاميَّة لفتى الأحلام:

أولاً: المُتطلَّبات الشكلية:

1)  الطُّول لا يقلُّ عن 180 سنتيمترًا.

2)  بشرة سمراء حنطية.

3)  عينان بُنِّيَّتان شبيهتان بعيون السَّمك.

4)  صدرٌ واسعٌ وعريض.

5)  كتف عريضةٌ أيضًا.

6)  أنفٌ رومانيٌّ.

7)  شفتان مكتنزتان، والعلويَّة من الأفضل أن تكون أكثر انتفاخًا من السُّفلية.

8)  شعْرٌ مُجعَّد يختلط فيه لونا الفحم والشيكولا.

ثانيًا: المُتطلَّبات النموذجية أثناء العلاقة:

1)  لا يستخدم الكذب ضِدِّي.

2)  لا يقسُو.

3)  يتفَقَّدني كلَّ ساعة.

4)  لا يسمحُ للخصام أو الهجْر بالحضور أبدًا.

5)  يُدلِّلني.

6)  لا يتحمَّلُ حزني ولا يُغضبُنِي.

7)  لا يطيقُ الحياةَ لحظةً من دوني.

8)  عقله يلمسُ عقلي.

9)  يثيرُ حماستي.

10) إلى ما لا نهاية: لا يخون، لا يخون، ولا تلفتُ انتباهَهُ امرأةٌ غيري.

***

اعتادت هند كبقيَّةِ الفتيات في سِنِّ الطفولة أن تتعلَّقَ بحكايات الأمراء الذين ينقذون حبيباتهنَّ ويهبونهنَّ الحياةَ الجديدةَ، عاشت خيالات سندريلا، والأميرة النائمة، والجميلة والوحش، كبرت وما زالت في انتظار الأمير، الرَّجُل المثالي، الشَّهم، المُنقذ، حُلمٌ مشروعٌ لها، أليسَ كذلكَ؟

حقًّا كبرت كثيرًا حتي قارَبَت الخامسة والثلاثين، وأخفَقَت في خِطبتين وعِدَّة علاقات. كُلُّ رجلٍ مرَّ في حياتها رأت فيه العديد من المُواصفات المُنتظرة، لكنَّ جميعَهم كان ينقصُه شيءٌ ما، شيءٌ مُهمٌّ ومؤثِّــرٌ كالصِّدق أو الإخلاص مثلا.

والد هند كان ماهرًا في الكذب، وخبيرًا في الإيقاع بالنِّساء، تألَّمت والدتُها حتَّى أكسبها الألمُ مناعةً ضِدَّ الموت حُزنًا، لكنَّها لم تكف عن تحذير ابنتها من ألاعيب الذكور وسوء عِشْرتهم، هند فتاةٌ ذكيَّةٌ وجميلةٌ بالقدر الكافي لأن تُحسنَ الاختيار، لكنَّ طعمَ الفشل في كلِّ مرَّةٍ كاد يصلُ بها إلى مناعةِ والدتها ضِدَّ الموتِ حُزنًا.

هل تستسلم؟

لا، النساءُ لا يعرفن الاستسلام، بخاصة الحاذقات كهند.

ربَّما كانت الحياة وهْمًا، وكذلك بقية الأشياء، الآن تريدُ شريكَ حياة لكن لن تقبل فيه إلا ما يرضيها ويسيرُ حسب خطتها، لقد قرأَت بالأمس خبرًا طريفًا وموجِعًا بالقدر نفسه عن المرأة التي استبدلت زوجها بكلبٍ، في رأي هند أنَّ السيدة فعلت الصَّواب، تزوَّجَت مَن يريحُ قلبها ويمنحها دفئًا ووفاءً. صحيحٌ، مَن قال إنَّ حُلمَ المرأة لابدَّ وأن يكونَ رجلًا؟ وهند لا تُحبُّ الكلاب؛ إنَّها تُشبِهُ الذُّكورَ في الجري وراءَ الكثيراتِ من الإناث، كما أنَّ هندًا لا تُطيق الحيوانات الأليفةَ، ومن المُفترض أنَّ زواجها بمفترسٍ يقضي عليها.

ما الحل إذن؟

إنَّها تَودُّ تصنيع نموذجٍ على هواها، نموذجٍ مُصَنَّعٍ ومُبَرمَجٍ، لقد لمعت الإجابة أخيرًا وتكشَّفَت؛ إنَّها بحاجة إلى الزَّواج من إنسانٍ آليٍّ تملكُ وحدها برمجته وتعبئة عقلِهِ وعواطفه، لكن كيف تفكُّ رموز المُعضلة؟

إنَّها تسمع دائمًا عن تطوير الذكاء الاصطناعي الوشيك للروبوت، الأمر الذي لا يزالُ قيد التجربة، فلماذا لا تخوضُها وتستخدمُ واحدًا ضمن الاختبار؟ الأجانب يدعمُون مثل هذه الأشياء بالطبع.

راسلَت عِدَّة وَكَالات بحثية، حتي حصلت على موافقة لوضعها ضمن التجارب العلمية لِمَا يُسمَّى (Love & Sex With Reboot) وأرسَلَت إليهم المواصفات التي تريدُها في الزوجِ المطلوب، وتمَّ استدعاؤها إلى مقرِّ الوكالة في الشَّرق الأوسط؛ للحصُولِ على التأهيل الكافي للتَّعامل مع زوجها المُبَرمَجِ بعد أن صارَ كاملَ الأوصاف.

تزوَّجَت منه من دونَ الحصولِ على إجازةٍ شرعيةٍ، وأقامَت حفلًا كبيرًا، وتَعاملَ الرَّجل المُبَرمَجُ بحرفيةٍ أعلى من الرِّجالِ الحقيقيين في الحفل للدَّرجةِ التي لم يَشُك أحدٌ في كونهِ غير اصطناعيٍّ، أبقَت الأمر سِرًّا؛ لتُفجِّر القنبلةَ لاحقًا.

كان ودودًا، وديعًا، لطيفًا، مُحِبًّا، يُجيد أعمالَ المنزل، والغناء، والرَّقص، والمساج النَّاعم، لا يكذبُ، ولا يقسُو، ولا يخُون.

بعد عامين، شعرَت بالملل والحنين إلى الطِّفل، سافرَت إلى لبنان وتَبنَّت طفلًا حقيقيًّا، ولم يعرف أحدٌ إلا أنَّها أنجبَت، ولمعالجة الملل أدخلَت بعض الجُمل الجديدة، على شاكلةِ “لن أتخلَّص من كيس القمامة”، “أنت زوجة متطلبة”، “النساء خفيفات العقل”، “لقد زاد وزنك”، ورُبَّما أدخَلَت تعديلًا بسيطًا على برنامج التشغيل الخاص به كافتعالِ مُشاجرة صغيرة ومن ثَمَّ ترضية ضخمة، وهكذا دأبَت على إعادةِ برمجته كل فترةٍ، وإعادتِهِ إلى ضبطِ المصنع ثانيةً.

إنَّها تشتاقُ إلى رجلٍ حقيقيٍّ، لكنَّها تُدعِّم موقفها بأنَّ الأمرَ ما زال جديدًا وهذا فقط ما يُربكها رغم مرور عامين، وكانَ ما يُهوِّن الأمر عليها أنَّه لا يكذب، والأهم من ذلك أنَّهُ لن يخون.

وفي أحد الأيَّام عادت إلى منزلها مرهقةً ولم تجده، أمرٌ صاعقٌ ومريبٌ بلا شكٍّ؛ ليس من ضمنِ برمجتِهِ أن يُغادرَ المنزل من دون علمِها، لكنَّها تمكَّنَت من تحديد مكانه.. إنَّهُ في الشَّقة المُقابلة، شقة صديقتها نرجس.. “اللِّصَّة سرقته”..

أسرعَت إليها ودقَّت الجرس.. ولم يمض وقتٌ حتى فتح الروبوت بابَ شقة نرجس بنفسِهِ، وقذفَ في وجهها جُمَلًا بنبرتِهِ المعدنيَّةِ التي بَدَت لأذنِها حادَّةً للمرَّةِ الأولى:

“أنت طالق”

“أنت سمينةٌ وقبيحةٌ”

“أحبُّ نرجس”

“ارحلي عني”

“لقد خُنتك؛ لأنَّك تستحقين”

“نرجس جميلةٌ وفاتنة”

“ارحلي بعيدًا يا سمينة”

‏مقالات ذات صلة

Back to top button