‏آخر المستجدات‏أخبار وطنية

مؤشر الجوع العالمي 2025.. حين يتباطأ التقدم ويعود السؤال عن العدالة الغذائية في المغرب

(كش بريس/التحرير)ـ أصدر “مؤشر الجوع العالمي لعام 2025” في 9 أكتوبر الجاري تقريره السنوي، واضعًا المغرب في المرتبة 47 من أصل 123 دولة، بدرجة 9.3 من أصل 100، ليصنف ضمن فئة “الجوع المنخفض”. ورغم أن هذا التصنيف يعكس استمرار التحسن مقارنة بالعقود الماضية، إلا أنه يفضح أيضًا تباطؤ وتيرة التقدم في السنوات الأخيرة، بما يكشف عن أزمة بنيوية في منظومة الأمن الغذائي الوطني.

فالمغرب الذي انتقل من درجة 15.6 سنة 2000 إلى 8.6 سنة 2016، لم يسجّل سوى تحسن طفيف بنحو 0.7 نقطة خلال تسع سنوات لاحقة. هذا البطء، بحسب خبراء المؤشر الصادر عن منظمتي “ويلت هنغهر هيلفه” الألمانية و*”كونسرن وورلدوايد”* الإيرلندية، يعكس حدود المقاربات التقليدية في مواجهة تحديات الجوع وسوء التغذية، خاصة في المناطق القروية وشبه القاحلة، حيث تتقاطع هشاشة البنية الاقتصادية مع انعكاسات التغير المناخي وندرة المياه.

أرقام إيجابية تخفي واقعًا هشًا

تُظهر مؤشرات التقرير أن المغرب يحقق أداءً متقدماً نسبيًا مقارنة بمتوسط شمال إفريقيا، إذ بلغت نسبة نقص التغذية 6.5%، والتقزم لدى الأطفال 12.8%، والهزال 2.6%، فيما انخفضت وفيات الأطفال دون الخامسة إلى 1.6%. غير أن هذه النسب، على محدوديتها، تخفي تباينات مجالية صارخة، حيث لا يزال نحو 2.4 مليون مغربي يعانون من نقص غذائي مزمن، أغلبهم في الأرياف التي يسجل فيها الفقر الغذائي معدلات تفوق المدن بثلاثة أضعاف.

ويُحسب للمغرب تقدّمه إلى المرتبة الخامسة عربياً، بعد الإمارات والكويت وتونس والجزائر، بفضل برامج الحماية الاجتماعية مثل “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، وتوسيع شبكات المياه الصالحة للشرب، والاستثمار في الصحة الأولية. لكن هذه الإنجازات تواجه اليوم تحديات الاستدامة، إذ تتآكل مكاسبها بفعل الأزمات المناخية والاقتصادية المتلاحقة، وغياب رؤية زراعية وطنية متكاملة تربط بين الأمن الغذائي والسيادة الاقتصادية.

الرهان على الأمن الغذائي لا على الإعانات

يطرح التقرير، بشكل غير مباشر، سؤالاً جوهريًا على صانع القرار المغربي: هل تكفي السياسات الاجتماعية لتأمين الغذاء، أم أن الوقت حان للتحول نحو سيادة غذائية مستدامة؟

فالاعتماد المتزايد على استيراد الحبوب، إلى جانب محدودية الإنتاج المحلي وتشتت البنيات الزراعية، يجعل الأمن الغذائي المغربي رهينة لتقلبات الأسواق الدولية والجفاف المتكرر.

من هنا، يبدو أن الرهان المستقبلي لا يكمن في مجرد خفض نسب الجوع، بل في إعادة تعريف مفهوم “الأمن الغذائي” كحق استراتيجي، يتجاوز منطق الدعم والمساعدات نحو بناء اقتصاد زراعي معرفي قادر على الابتكار والمنافسة وحماية البيئة.

العالم في أزمة، والمغرب في مفترق طرق

يأتي تحسن المغرب النسبي في سياق عالمي قاتم؛ إذ يبلغ معدل الجوع العالمي لعام 2025 نحو 18.3 نقطة، بتحسن طفيف عن سنة 2016، ما يعني أن التقدم في القضاء على الجوع يكاد يكون متوقفًا. كما يحذر التقرير من أن الهدف الأممي “صفر جوع بحلول 2030” أصبح بعيد المنال، في ظل تصاعد النزاعات، وارتفاع النفقات العسكرية إلى 100 ضعف ميزانية الإغاثة الإنسانية.

وسط هذا المشهد، يتعين على المغرب أن يقرأ وضعيته ليس كمؤشر نجاح جزئي، بل كتنبيه مبكر على هشاشة التقدم المحقق. فالتحدي اليوم ليس فقط في محاربة الجوع التقليدي، بل في مواجهة أشكال جديدة من سوء التغذية، تشمل السمنة والنظام الغذائي الحضري غير الصحي، بما يعني أن معركة الغذاء المقبلة ليست ضد الجوع فقط، بل ضد اختلال التوازن الصحي والاجتماعي والبيئي معًا.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button