‏آخر المستجداتلحظة تفكير

محمد اقديم: تاريخ حركات التمّرد الصوفية بمغرب الموحدين

إنتقال التصوف من المشرق الى المغرب كان خلال القرن السادس الهجري\الثاني عشر الميلادي- عن طريق وفود الحجاج الى الديار المقدسة. وكان خلال هذه المرحلة زهدا فرديا و محدودا طيلة فترة حكم الدولة المرابطية. وبعدما تأسست الدولة الموحدية على أنقاض الدولة المرابطية المالكية، مقيمة شرعيتها على أساس الإمامة والمهدوية مذهبا سياسيا وخليط من الاعتزال والأشعرية عقيدة، مستغلَّة أثر وبقايا التشيع للطائفة “البجلية” في الأطلس الكبير وسوس. زحف الموحدين من جبلهم الى المناطق الديرية والسهلية والمدن، حيث التصوَّف في مرحلته الجنينية يقتات على بقايا التشيُّع الزيدي والباطني لما قبل المرابطين في شمال المغرب ووسطه.

وتبقى علاقة الموحدين بالتصوف والمتصوفة علاقة متأرجحة بين القمع الشرس والاجتثاث للحركات الصوفية المتمرّدة في بداية الموحدين مع عبد المومن بن علي ، والمراقبة والحذر والتضييق مع مشايخ التصوف وأقطابه وإحضارهم إلى مرّاكش في عهد المنصور والناصر، والتساهل واللين في المرحلة الأخيرة، رغم ما اكتنف هذه العلاقة من عنف وتوثر في المرحلة الأولى للدولة الموحدية، بفعل مخَلَّفات عملية التصفية والإبادة التي قادها الموحِّدون ضد مصامدة السهل، في إطار حركة “الاعتراف”، التي قادها خليفة المهدي ابن تومرت عبد المومن بن علي. مما ساهم في محاصرة التصوُّف نسبيا ومؤقّتا، فعملية الإبادة للقاعدة البشرية القبلية للمتصوفة الأوائل هي التي جعلتهم يظهرون نوعا من عدم الرضى والرفض اتجاه دولة الموحدين في بدايتهم، وليس ما يتبناه الموحدون من أفكار سياسية شيعية ( الإمامة والعصمة والمهدوية)، فكلا الطرفين كان يقتات عقديا على نفس الموروث العقدي الشيعي لما قبل المرابطين، الذي ترسَّبَت عناصره في العديد من العادات الاجتماعية والتقاليد الدينية للمغاربة في تلك الفترة، التي لا تختلف في معظمها عن ما يمارسه هؤلاء المتصوفة اجتماعيا في “طوائفهم” من ولاية وكرامة وقطبية وقدسية.

ورغم ما تحاول العديد من الدراسات التاريخية المعاصرة إظهاره من تناقض وافتعاله من مواجهة دائمة بين الدولة الموحدية من جهة ورجال التصوُّف من جهة ثانية، بالتركيز على مرحلة التوتر بين الطرفين وتضخيم بعض عناصر هذا التوتر على أنها قاعدة عامة في تعامل الدولة الموحدية مع المتصوفة، من خلال قراءتها لمُضمَرات بعض كتب المناقب والتراجم السير( )، ومن خلال ما تقدمه من انتفاضات قادها بعض مدَّعي المهدوية من المتصوفة ضد الدولة الموحدية( ) وسجْن عبد الله بن أبي محمد صالح الماجري (ت.651/1253م)( ) ابن مؤسس رباط آسفي وشيخ طائفة الماجريين أو الحُجاج كقرائن تاريخية على قمع الموحدين للمتصوِّفة( )، متجاهلين أن هذه الطائفة من أكثر الطوائف ولاء للدولة الموحدية الى جانب طائفة الأمغاريين في رباط تيط نفطر( ).

فالوقائع التاريخ تؤكد أن الموحدين كانت علاقتهم بالتصوف متأرجحة بين العنف والقمع، والمراقبة واللين والاحتضان، فالعديد من رجال التصوف كانوا يشتغلون في خطة القضاء والسلك الإداري للدولة الموحدية، وفي مقدمة هؤلاء ابن الزيات التادلي مؤلف كتاب ” التشوف لرجال التصوف”( )، كما أن كبار شيوخ التصوف لهم علاقة بوُلاة الدولة الموحدية بالمغرب كما بالأندلس.

لقد كان للقبضة الحديدية والقمع الشرس الذي واجه به الموحدون في بداية دولتهم لحركات التمّرد الصوفية في المغرب و الأندلس دورا تاريخيا كبيرا في ردع الحركة الصوفية والقضاء على طموحاتها السياسية، ليتحوّل اهتمامها منذ تلك الفترة نحو التربية الصوفية والعمل الاجتماعي، تحت المراقبة الصارمة للدولة الموحدية، كما كان الأمر بالنسبة لمعظم رموز وشيوخ التصوف الذين عاشوا في فترة الموحدين، ومن أبرزهم : أبو شعيب السارية الصنهاجي( توفي سنة 561هـ\ 1177م) ( ) وابو يعزى لنور(توفي سنة 572هـ\ 1188م) ( )، وبن حرزهم (توفي سنة 559هـ\ 1175م)( ) وأبو مدين الغوث( توفي سنة 594هـ\ 1219)( )، وأبو عبد الله أمغار( ). حيث عمل هؤلاء المتصوفة على نهج نفس استراتيجية فقهاء المالكية، القائمة على إنشاء الرباطات الدعوية لتي تستقبل الزوار والمريدين( )، مستغلّين أثر العقائد الشيعية لمرحلة ما قبل المرابطين، التي لازالت حية في مختلف مناطق المغرب، محاولين دمجها بالمذهب المالكي، لتبدأ مغربة التصوف مع أبو محمد صالح الماجري (ت631هـ)، و عبد اسلام بن مشِّيش ( ) ومريده أبو الحسن الشاذلي(المتوفى سنة 656هـ\ 1258)( )، ومع هذان الشيخ سيأخذ التصوف طابعه التنظيمي الطرقي في المشرق قبل أن ينتقل الى المغرب في القرن التاسع،

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button