‏آخر المستجدات‏المرأة وحقوق الانسان

مدونة الأسرة في المناهج التربوية: بين النص الفقهي والواقع المدرسي

(كش بريس/التحرير)ـ كشفت دراسة تربوية حديثة عن إشكال معرفي وتربوي عميق يواجه أساتذة مادة التربية الإسلامية في المدارس المغربية، يتمثل في التناقض القائم بين مقتضيات الفقه المالكي وأحكام مدونة الأسرة، نتيجة غياب التنسيق التام بين المنهاج التربوي ومضامين هذه المدونة ذات البعد التشريعي والاجتماعي.

الدراسة، التي أعدها الباحث حافظ أمزون ونُشرت في العدد الجديد من مجلة الباحث للدراسات والأبحاث العلمية، تحت عنوان «إدماج مقتضيات مدونة الأسرة في مادة التربية الإسلامية»، خلصت إلى أن إدراج أحكام المدونة في المقررات الدراسية لا يمكن أن يتم بمعزل عن تكوين الأساتذة وتأهيلهم المعرفي والقانوني، حتى لا يتحول الإصلاح إلى مجرد إضافة شكلية أو محتوى نظري بلا سند تطبيقي.

“لا يتصور إدماج مضمون قانوني أو فقهي جديد في المناهج التعليمية دون تأهيل المدرسين أو تنظيم دورات تكوينية متخصصة لهم”، يؤكد الباحث، مشيراً إلى أن 67.7 في المائة من مدرّسي التربية الإسلامية الذين شملتهم الدراسة يعانون من صعوبة في التوفيق بين المرجعية الفقهية المالكية ومقتضيات مدونة الأسرة.

هذا التباين، وفق التحليل الميداني، يعكس ارتباك المنظومة التربوية في مواءمة خطابها الديني مع التحولات القانونية والاجتماعية التي أقرّتها مدونة الأسرة منذ أكثر من عقدين. فبينما تُقدَّم مضامين الفقه المالكي في إطارها التقليدي، تطرح المدونة رؤية قانونية أكثر مرونة في قضايا الزواج والولاية والحضانة والمساواة، ما يجعل الأستاذ أمام ازدواجية معرفية ومصدر ارتباك في التلقين.

وتوضح الدراسة مثالاً دالّاً على ذلك:

في درس أركان الزواج الموجّه لتلاميذ السنة الأولى بكالوريا، تقتصر المدونة في مادتها العاشرة على الإيجاب والقبول كأركان أساسية للزواج، بينما يرى الفقه المالكي أن الوليّ ركن من أركان العقد، كما جاء في قول ابن عاصم: “المهر والصيغة والزوجان // ثم الولي جملة الأركان”.

هذا التناقض، بحسب الباحث، “يفرض على المدرسة المغربية مراجعة المنهاج، أو على الأقل التنسيق بين النصين الفقهي والقانوني بما يضمن انسجام المنظومة المعرفية”.

من جهة أخرى، تُظهر نتائج الدراسة أن 67.6 في المائة من أساتذة التربية الإسلامية يرون أن اعتماد مقتضيات مدونة الأسرة في المقررات يسهم في ربط المتعلم بواقعه المعيش، أي أن المضمون القانوني يساعد التلميذ على فهم البنية الاجتماعية والقيمية التي تحكم حياته الأسرية والمجتمعية.

لكن الباحث ينتقد محدودية هذا الإدماج في مستوى الثانوي فقط، مشيراً إلى أن المدونة يمكن أن تُدرج أيضاً في السلك الإعدادي من خلال دروس الرعاية وحقوق الطفل، لتعزيز الوعي المبكر لدى الناشئة بمفاهيم المسؤولية والمواطنة والكرامة الإنسانية.

وفي ختام الدراسة، دعا الباحث إلى إعادة النظر في مناهج مادة التربية الإسلامية عبر مقاربة منفتحة ومتوازنة، تراعي القيم المركزية للمنهاج الوطني وفي الوقت ذاته تستجيب للتحولات الاجتماعية والقانونية التي يعيشها المجتمع المغربي، مؤكداً أن “تجديد التربية الدينية لا يعني المساس بالثوابت، بل تطوير آليات الفهم والتأطير في ضوء الواقع المعاصر”.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button