
ألم نقل لكم إن اللوبي الكولونيالي لم ولن يستوعب قرار التخلي عن إلقاء خطاب ثورة الملك والشعب؟ إن ما قد يُسوَّق كخطوة بروتوكولية أو كإعادة ترتيب في الأجندة السياسية، يخفي في العمق مسعى لإضعاف ذاكرة المقاومة وإفراغها من مضمونها، في زمن عاد فيه الاستعمار بوجه ناعم، وبأدوات أخطر من البارود والسلاح: أدوات الاقتصاد والاتصال والتطبيع الثقافي.
لقد ظل خطاب 20 غشت علامة فارقة في التاريخ الوطني، لأنه يجسد تلاحم العرش والشعب في مواجهة الاستعمار، ويعيد إلى الذاكرة أسماء الشهداء وبطولات جيش التحرير. التخلي عن هذه اللحظة الرمزية ليس مجرد غياب لطقس سياسي، بل هو هدية مجانية للذين يتربصون بذاكرتنا الجماعية، ويراهنون على النسيان كي يفرضوا سرديتهم البديلة.
إن اللوبي الكولونيالي يعرف جيدًا أن أخطر سلاح ليس المدفع ولا الطائرة، بل القدرة على محو الذاكرة وإعادة كتابتها بما يخدم مصالحه. ولهذا فإن تقليص حضور رموز المقاومة في الفضاء العمومي، أو التعامل مع المناسبات الوطنية بروح شكلية، يفتح الباب واسعًا أمام عودة النفوذ الأجنبي بأدوات “الاستعمار الناعم”: الاستثمارات المشروطة، الإملاءات الانتخابية، الضغوط الدبلوماسية، والتطويع الإعلامي.
وها نحن نرى اليوم كيف تتقاطع هذه الأدوات مع لحظة سياسية دقيقة يعيشها المغرب: انتخابات تفرغ من مضمونها، أحزاب تتحول إلى مقاولات تسويات، ونخب تلهث وراء الريع بدل بناء مشروع وطني. في هذا المناخ، يصبح تغييب خطاب ثورة الملك والشعب أكثر من مجرد صدفة؛ إنه إشارة مقلقة على أن الذاكرة الوطنية لم تعد في صلب الرهان السياسي.
لهذا فإن التحذير واجب: مراجعة القرار لم تعد مسألة رمزية فحسب، بل صارت ضرورة أمنية واستراتيجية. فمن دون استحضار روح المقاومة وجيش التحرير، سنفقد البوصلة التي توجهنا في زمن التحولات الإقليمية: انفجار الأوضاع في الجوار، سباق النفوذ بين القوى الكبرى، وتطبيع غير مشروط مع أجندات تسعى لتفكيك المنطقة وإعادة تركيبها.
إن ذاكرة المقاومة ليست عبئًا على الحاضر، بل هي سلاحه الرمزي. وكل تنازل عنها هو تنازل عن جزء من السيادة. لذلك، وجب التذكير اليوم قبل الغد: 20 غشت ليس مجرد تاريخ على الروزنامة، بل هو خط أحمر في معركة الذاكرة، ومعركة الذاكرة هي معركة السيادة.