
(كش بريس/ التحرير)ـ أوضح تقرير مكتب الصرف المغربي لسنة 2024 أن هذه السنة مثلت مرحلة مفصلية في تطور سياسة المملكة تجاه أصولها بالخارج والمعاملات المالية الدولية، بما جمع بين التسهيل من جهة، والتشديد الرقابي من جهة أخرى، في نموذج توازن دقيق بين الثقة والمساءلة.
التسوية التلقائية للأصول: مؤشر على عودة الثقة
شهدت سنة 2024 نجاح عملية التسوية التلقائية للأصول والسيولة بالخارج (ORS 2024)، حيث تم تسجيل 664 تصريحاً بقيمة إجمالية تجاوزت 2.03 مليار درهم. وتوزعت هذه الأصول على النحو التالي:
ـ 915.78 مليون درهم أصول مالية،
ـ 866.2 مليون درهم عقارات،
ـ 244 مليون درهم سيولة نقدية.
وأدت هذه العملية إلى تحويل 230.25 مليون درهم إلى خزينة الدولة كرسوم تحررية، وهو مؤشر على تجدد الثقة بين الإدارة والمتعاملين مع الخارج، ونجاح سياسة المصالحة المالية التي تربط بين التسهيل والتحفيز على التصريح بالأصول خارج المغرب.
التشدد الرقابي: ضبط المعاملات والحد من المخاطر
في الوقت ذاته، حافظ مكتب الصرف على صرامة الرقابة، حيث ارتفع عدد الملفات المخالفة المحالة إلى المفتشية إلى 206 ملفاً في 2024 مقارنة بـ 178 ملفاً في 2023، مع غرامات أولية مقترحة بلغت 4.28 مليون درهم.
كما تمت معالجة 2,469 ملفاً رقابياً شملت معاملات خارجية بقيمة 53.4 مليار درهم، وهو ما يعكس حجم الاقتصاد الموازي والأنشطة الخارجية التي تتطلب إشرافاً دقيقاً.
كما توزعت الرقابة على الفاعلين الاقتصاديين كالآتي، الشركات الكبرى والمتوسطة والصغرى: 42%، والبنوك ومؤسسات الصرف: 28%، والأشخاص الطبيعيون: 30%.
هذا التوزيع يعكس اهتمام مكتب الصرف بالجانب المؤسسي والمالي على حد سواء، مع التركيز على القطاعات الأكثر تأثيراً على التوازنات الخارجية.
مكافحة الجرائم المالية: تعزيز سلامة النظام المالي
ارتفع عدد التحقيقات الميدانية إلى 563 تحقيقاً مقابل 353 في 2023، مع تركيز على غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ورغم زيادة التدقيق، تراجع عدد ملفات المنازعات إلى 129 ملفاً، ما يشير إلى نجاح استراتيجية المصالحة في الحد من النزاعات القانونية وتعزيز الامتثال الطوعي لدى المتعاملين.
تعزيز الشفافية وتسهيل الأعمال
في إطار تعزيز بيئة الأعمال، وقع مكتب الصرف اتفاقية إطار مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب لتبسيط المساطر، كما أعلن عن استراتيجية خمسية جديدة تهدف إلى دعم الفاعلين الاقتصاديين وضمان التوازنات الخارجية عبر نظام رقابة أكثر ذكاءً وفاعلية.
ويمكن قراءة سنة 2024 على أنها نقطة تحول استراتيجية، من إدارة بيروقراطية صارمة إلى إدارة توازن بين الثقة والمراقبة الذكية، ومن التركيز على الردع إلى التركيز على المواكبة والتحفيز للامتثال الطوعي، وكذا من الرقابة الجزئية إلى تحليل شامل للمعاملات الخارجية والمخاطر المالية.
هذا التوازن يعكس وعي الدولة المغربي بأن الثقة في القطاع الخاص والامتثال الطوعي يمكن أن يكون أكثر فاعلية من العقوبات الصارمة وحدها، مع الحفاظ على القدرة على ضبط المخاطر المالية ومكافحة الجرائم الاقتصادية.
سنة 2024 تمثل نموذجاً ناجحاً لمقاربة مزدوجة: المصالحة المالية وتعزيز الثقة من جهة، والرقابة الذكية والمكافحة الفعالة للجرائم المالية من جهة أخرى. ويشير هذا التوازن إلى قدرة المغرب على إدارة موارده الخارجية بكفاءة، وتعزيز الشفافية والانضباط المالي، مع فتح آفاق جديدة لتسهيل الأعمال وضمان استقرار المعاملات المالية الدولية.





