The magazineفنون وثقافةلحظة تفكير

د سارة حامد حوَّاس تترجم وتقدم 3 قصائد لليسيل مولر ”الأشياء” و”لوحاتٌ خياليةٌ” و”الحُبُّ كالمِلح”

د سارة حامد حوَّاس

( الأشياء )

…………………..

كَبُرنَا وَحِيدِين هذا ما حدَثَ

نَعِيشُ بين الأَشيَاءِ

فمَنَحنَا للسَّاعةِ وجهًا

وللكُرسيِّ ظَهْرًا

و للطَّاوِلةِ أربعةَ أرجُلٍ قَوِيَّةٍ

لن تُعَانِي من التَّعَبِ أبدًا .

زَوَّدْنَا أَحذِيتَنا بألسنةٍ ناعمةٍ

كألسَتِنَا

وعَلَّقْنَا الأَلسِنةَ داخل الأَجرَاسِ

حتَّى نسْتَطِيعَ الإِنصَاتَ

إلى لُغتهمِ الشَّاعِرِيةِ

ولأنَّنا أَحبَبنَا وجُوهَهُم البَهِيّة

مَنَحنَا للإِبرِيِقِ شِفاهًا

وللِزُّجَاجَةِ رقَبَةً طَويلةً و رَشِيقَةً.

حتى ما كان بَعِيدًا

أُعِيِدَ تَشكِيِلُهُ في مُخَيِّلَتِنَا

فَمَنحنَا للوطنِ قَلبًا

وللرِّيحِ عَيْنًا

وللكَهفِ فَمًا

لنعبرَ إلى بَرِّ الأَمَان

ــــــــــــــــ

‎( لوحاتٌ خياليةٌ )

…………………

‎١-كيف أَرسُمُ المُستَقبَلَ؟

شَرِيِطٌ من الأُفْقِ و لَوحَةٌ

تُرَى من الخَلفِ

مُنجَذِبًا نَحوَها

إلى الأَبَدِ .

‎٢-كيف أَرسُمُ السَّعَادةَ؟

‎شَيءٌ مُبَاغِتٌ.. رِبحٌ مُفَاجِيءٌ..وَابِلٌ شِهَابِيٌّ

‎كلَّا شَجَرةٌ مُزْهِرةٌ تَطرَحُ ثِمَارَها مَرَّةً وَاحِدةً

‎فَجأَةً تكتنفُ بعُنفُوانها من يستظلُّ بها

تُحَوِّلهُ إِلى غَرِيِبٍ جَمِيلِ المَلمَسِ .

‎٣-كيف أَرسُمُ المَوتَ؟

أَبيضُ في أَبيَضَ  أَسودُ في أَسوَدَ

‎بلا أَرضٍ .. بلا مَلاَمِحَ

قِطعَةُ قُمَاشٍ لن أَنتَهِيَ مِنها أبدًا .

‎٤-كيف أَرسُمُ الحُبَّ؟

لن أَرسُمَهُ أبدً .

‎٥-كيف أَرسُمُ الإِيمَانَ بِالقَدَرِ؟

‎قِطٌّ أَسوَدُ يَقفِزُ ثلاثةَ أَقدَامٍ ليَصِلَ إلى رَفٍّ من ثلاث بوصَاتٍ .

‎٦-كيف أَرسُمُ الكِذبَةَ الكبيرةَ ؟

‎مَلسَاءُ .. صَغِيِرٌةٌ بشَكلٍ خَادِعٍ

‎يِمكِنُ بَلعُهُا كَشَيءٍ نَتَعَاطَاهُ للبَردِ .

كَبْسُولَةٌ طَوِيِلَةٌ  أُسطُوَانةٌ أَنِيِقَةٌ

أَثِيِرَةٌ ولامِعَةٌ تُحَلِّي اللِسَانَ

‎تَنزَلِقُ بِيُسْرٍ غَيرَ آبهةٍ بالسُّمِ داخِلهَا .

‎٧-كيف أَرسُمُ الحَنِيِنَ؟

لَوحَةٌ عَتِيِقَةٌ  قِطعَةٌ فَرِيِدَةٌ

‎أُناسٌ في مَلبَسٍ داكِنٍ و برَّاقٍ

عَرُوسٌ مُتَوَهِجَةٌ  بِالأَبيضِ

تَقِفُ فوق شَلَّالٍ

‎تُراقِبُ اندِفَاعَ المياهِ

بعيدًا .. بعيدًا  بعيدًا

ـــــــــــــــــــــــــ

‎( الحُبُ كالملح )

……………….

‎نَحتَضنهُ في أيدِيِنَا كَالكِرِيستَالِ

مُعَقَّدٌ يَصعَبُ فكُّ شَفرتِهِ

‎يَندَفِعُ نَحوَ المِقلاةِ

من دون أَدْنَى تَفْكيِرٍ .

‎يَتَنَاثَرُ على الطُّرُقَاتِ بِنعُومةٍ

نَدُوسُ عَليه من دون هُوَادةٍ .

َ‎نَحمِلُ خَيبَةً خَلف كُلِّ مُقلَةِ عَينٍ .

وتَظهَرُ على وُجُوهِنا حتَّى تَفِيِضَ .

‎نَحتَفِظُ بها  داخل أجسَادِنَا ،

‎في زُقَاقٍ سِرِيٍّ .

‎نُمرِّرهَا حول الطَّاِوِلةِ وَقتَ العَشَاءِ

‎نَتَحَدَّثُ عن الإجَازَاتِ و البَحر .

ــــــــــ

ليسيل مُولَر” شاعرة ترسم قصائدها بالكلمات”، ولدت الشاعرة و المُترجمة الألمانية الأمريكية ليسيل مولر في هامبورج بألمانيا عام ١٩٢٤ و توفيت في شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية عام٢٠٢٠ عن ٩٦ عاما، و في عام ١٩٣٩ انتقلت ليسيل مع عائلتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية هروبًا من النظام النازي بألمانيا و كانتحينها في الخامسة عشر من عمرها.

التحقت ليسيل بعد ذلك بجامعة إيفانسفيل في ولاية إنديانا بالولايات المتحدة الأمريكية حيث كان يعمل والدها أستاذا للغتين الفرنسية والألمانية.

تخرجت  في الجامعة عام ١٩٤٤ و عملت في وظائف مختلفة ، فعملت أخصائية اجتماعية و مساعدة مكتبة و مُراجِعة كتب في صحيفةChicago Daily News  و بعد ذلك درَّست وألقت  محاضرات حول الكتابة الإبداعية في جامعة شيكاغو ، و قد تأخرت في نشر دواوينهاالشعرية بشكل كبير حيث نشرت عملها الأول  ”تبعيات” Dependencies عام ١٩٦٥ و كان عمرها ٤٠ عامًا.

من أهم أعمال ليسيل مولر:  ”حياة ملكه” Life of a Queen عام ١٩٧٠ و ”الحياة الخاصة” The Private Life عام ١٩٧٥ و ” أصوات من الغابة” Voices from the Forest عام ١٩٧٧و ” الحاجة إلى الثبات” The Need to Hold Still عام ١٩٨٠ و ”اللغةالثانية ” Second Language عام ١٩٨٦ و ” يلوح من الشاطىء” Waving from Shore عام ١٩٨٩و ”تعلَّم العزف بالأُذن‘’Learning to Play by Ears’’ عام ١٩٩٠و ”معًا على قيد الحياة” Alive Together عام ١٩٩٦.

و هناك عدة مجلدات للترجمة منها : قصائد مُختارة لماري لويز كاشنيتز عام ١٩٨٠ و جبل سيرس ، قصص من تأليف ماري لويز كاشنيتزعام ١٩٩٠.

ليسيل مولر كانت من أكثر الشاعرات شعبية في الولايات المتحدة الأمريكية حيث حصدت  العديد من الجوائز الشعرية الرفيعة منها: جائزةبوليتزر عام ١٩٩٦  عن كتابها ” معًا على قيد الحياة ” قصائد جديدة مختارة Alive Together : New &Selected Poems و جائزةالكتاب الوطني عام ١٩٨٠ عن ” الحاجة إلى الثبات” The Need to Hold Still و جائزة لامونت للشعر عام ١٩٧٥ عن ” الحياةالخاصة” The Private Life و العديد من الجوائز الرفيعة الأخرى التي تُمنح للمُنجز الشعري المتميز طوال المسيرة الشعرية للشعراء مثلجائزة كارل ساندبرج  و جائزة هيلين بوليس و جائزة روث لِيِليِ و هي واحدة من أغنى الجوائز الأدبية في العالم حيث تُمنح للشعراءالأمريكيين الذين قدموا مُنجزًا شعريًّا متميزًا و غير عادي طوال مسيرتهم الشعرية و قيمتها ١٠٠ ألف دولار و تُمنح سنويًّا من قبل مؤسسةالشعر وقد تأسست عام ١٩٨٦.

يمتاز شعر ليسيل مولر بالدقة و الخيال الجامح و الثراء اللغوي و اللعب بالكلمات و الألفاظ ، لغتها أنيقة و غريبة و غير تقليدية حيث إننيشعرت بالإجهاد بعد الانتهاء من ترجمتي لقصائدها من فرط غرابة و جمال الكلمات و التعبيرات التي استخدمتها في كتابة قصائدها حيثإنها مولعة باستخدام التشبيهات الغريبة وغير التقليدية وكذلك الاستعارات .

تدور تيمات ليسيل حول التاريخ واللغة والطبيعة والأساطير والخيال وأيضا حول الحياة المنزلية اليومية بتفاصيلها البسيطه والدقيقة التي قد تعني الكثير و لا يلاحظهاأحد.

وقد وصف راسل بريجنانو أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية  (١٩٣٥-٢٠٢٣) شعر ليسيل بأنه ” خياليو تأمُّلي و دقيق” .

تنتمي ليسيل إلى المدرسة الحداثية في الكتابة حيث تأثرت بالشاعر البريطاني الشهير ويستان أودن و تي إس إليوت و إدنا سانت فنسنت ميلاي.

تميل ليسيل إلى الأساطير و بالإضافة إلى القصص الخرافية و الشعبية التي قد درستها كطالبة دراسات عليا  في قصائدها مستخدمةخيالها الجامح في تصور شخصيات خيالية أشبه بالحلم مُستلهمة في ذلك شخصيات متعددة من الفولكلور ،  و كل ذلك بصورة شعريةنادرة ، فثراؤها اللغوي ساعدها كثيرا في نحت قصائدها ، فتشعر أثناء قراءتك لها  أنها تتباهى مباهاة أنيقة في إبراز جماليات أسلوبهافي الكتابة و تفردها في اختيار الكلمات المختلفة و الغريبة ، و عن قصائد مولر قالت الشاعرة الأمريكية الشهيرة ريتا دوڤ” القصيدةالغنائية المخادعة غير الواضحة التي يتردد صدى نغماتها المظلمة لفترة طويلة بعد طفونا على سطحها المُشمس”.

ريتا دوڤ توضح لنا شعر مولر في جملة بسيطة و معبرة أي أن شعر مولر في ظاهره مبهج ، تتوهم للوهلة الأولى أنها ستحكي لنا حكاياتسعيدة و لكن بمجرد الغوص في بحر قصيدتها و تأمُّل معاني مفرداتها الشعرية ، تشعر بالألم الخفي في باطنها حيث إنها شاعرة تهوىالرمز و الإشارات و لا تميل إلى الكشف و ذلك يجعل القارىء في حالة من العصف الذهني طوال قراءته قصائدها  كأنه أمام مسألة رياضيةمُعقدة و عليه أن يفك شفرتها و لكنها  مسألة ممتعة تُشعِل  خلايا العقل و الروح و القلب و تجعله في حالة من النشاط الروحي و الوجداني.

في قصيدة ” الأشياء” Things برعت ليسيل مولر في استخدام جماليات مختلفة و قد أسميها ‘’ الحُلي” ornaments لأنها تشبهالحُلي في جمالها و بهائها و امتيازها في إبراز أناقة تعبيراتها و كلماتها كالاستعارة Metaphor و التشخيص Personification حيث  منحت للساعة وجهًا و للكرسي ظهرا و للأحذية ألسنة ناعمة ،  وأعطت للأشياء سمات من الإنسان كما هو موضح في السطور الآتية :

‘’so we gave the clock a face ,

the chair a back’’

” فمَنَحنَا للسَّاعة وجهًا

و للكُرسيِّ ظَهْرًا”

‘’We fitted our shoes with tongues’’

” زَوَّدْنَا أَحذِيتَنا بألسنةٍ ناعمةٍ”.

أما عن قصيدة ” لوحاتٌ خياليةٌ” Imaginary Paintings فهي أشبهُ بلوحةٍ  فنية نادرة و باهظة الثمن حيث إنها قصيدة غريبة و غيرتقليدية في بنائها و تركيبتها و أسلوبها حيث استخدمت في قصيدتها صيغة السؤال و الجواب ، أسئلة عن الحياة و المشاعر الإنسانيةكالسعادة و الحُب و الموت و الإيمان بالقدر و الكذب و الحنين و أتت الإجابات في صور بليغة مليئة بالغرابة و الصور الجمالية المُبهرة التيأبرزت ثراءها اللغُوي المتفرد:

‘’7.  How I would Paint Nostalgia

An old-fashioned painting, a genre piece.

People in bright and dark clothing.

A radiant bride in white

standing above a waterfall,

watching the water rush

away, away, away.”

‎٧-كيف أَرسُمُ الحَنِيِنَ؟

‎لَوحَةٌ عَتِيِقَةٌ  قِطعَةٌ فَرِيِدَةٌ 

‎أُناسٌ في مَلبَسٍ داكِنٍ و برَّاقٍ

‎عَرُوسٌ مُتَوَهِجَةٌ  بِالأَبيضِ

‎تَقِفُ فوق شَلَّالٍ

‎تُراقِبُ اندِفَاعَ المياهِ

‎بعيدًا .. بعيدًا  بعيدًا.

ليسيل مولر مدرسة شعرية مختلفة وغير تقليدية وعلى الرغم من  أنها بدأت في نشر دواوينها متأخرة  فإنها استطاعت أن تثبت جدارتها وكفاءتها الشعرية وأن تُبرز امتيازها و اختلافها عن أقرانها بثرائها اللغوي اللافت و أسلوبها الجذاب في تناول قصائدها و استخدامهاالرموز و الإشارات الغريبة التي أسهمت في صقل أعمالها الشعرية ، واللافت للنظر أيضا عدم اهتمام المجتمع العربي بليسيل و أعمالهاالشعرية المختلفة حيث من خلال تصفُّحي للمواقع المختلفة على الإنترنت لم أجد لها مقالا واحدًا  منشورا عنها بالعربية على الرغم منشعبيتها الكبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث إنها من الشاعرات المحبوبات في الأوساط الأدبية و الثقافية و بهذا البورتريه الذيقدمته عنها أتمنى أن أكون نجحت في إلقاء الضوء على شاعرة مؤثرة كليسيل مولر و تكون بداية لكثير من الدراسات الأدبية و اللغوية والنقدية عن شاعرة كبيرة كليسيل فالكتابة عنها ستثري مكتبتنا العربية و ستكون إضافة لها.

‏مقالات ذات صلة

Back to top button