‏آخر المستجداتالمجتمع

من الإعانة إلى الإدماج: هل تنجح الدولة في كسر حلقة الفقر البنيوي؟

كش بريس/محمد أمين ـ يؤشر برنامج الدعم الاجتماعي المباشر على انتقال معلن في فلسفة الدولة الاجتماعية من منطق الإحسان والاعتماد على التحويلات المالية الظرفية، إلى مقاربة تسعى، نظرياً على الأقل، إلى بناء إدماج اجتماعي مستدام قائم على القرب والمواكبة الفردية للأسر الهشة. فربط الدعم بتتبع التمدرس، وصحة الأم والطفل، ومسارات الإدماج الاقتصادي، يعكس وعياً رسمياً بأن الفقر ليس فقط نقصاً في الدخل، بل نتيجة اختلالات بنيوية متداخلة. غير أن نجاح هذا التحول يظل رهيناً بمدى قدرة الدولة على الانتقال من الخطاب المهيكل إلى الممارسة الفعلية، ومن التدخل المركزي إلى حكامة ترابية ناجعة، قادرة على إنتاج أثر اجتماعي قابل للقياس والاستدامة.

وفي هذا الإطار أعلنت الحكومة على أن مواكبين اجتماعيين تابعين للتمثيليات الترابية للوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي يشرعون في تتبع أوضاع الأسر المستفيدة عن كثب، بهدف مواكبتها اجتماعيا والتقليص من مظاهر الهشاشة التي تعانيها، وتمكينها من الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والخروج من دائرة الفقر بشكل مستدام.

وقال فوزي لقجع، الوزير المكلف بالميزانية، أن برنامج الدعم الاجتماعي المباشر لم يعد يقتصر على تقديم مساعدة مالية ظرفية، بل بات يشكل أداة استراتيجية لتعزيز التنمية المستدامة لفائدة الأسر الهشة، مبرزا الدور المركزي الذي تضطلع به التمثيليات الترابية للوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي في تتبع أوضاع المستفيدين وضمان نجاعة التدخلات.

وقدم لقجع معطيات مفصلة حول برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، الذي تشرف الحكومة على تنزيله في إطار المرحلة الثانية من ورش تعميم الحماية الاجتماعية، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية ولمقتضيات القانون الإطار رقم 09.21، مؤكدا أن هذا البرنامج يستهدف الفئات الفقيرة والهشة، ويهدف إلى تحسين شروط عيشها وحمايتها من مخاطر الهشاشة المرتبطة بالطفولة، والانقطاع المدرسي، والشيخوخة، والإعاقة.

وأشار الوزير إلى أن البرنامج يمكن حوالي 60 في المائة من الساكنة غير المستفيدة من أنظمة التعويضات العائلية من الولوج إلى مختلف أشكال الدعم، بما يعزز العدالة الاجتماعية ويوسع قاعدة الحماية الاجتماعية.

وأوضح أن الحكومة تراهن، من خلال الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، على إحداث أثر اجتماعي ملموس ومستدام، عبر اعتماد سياسة القرب على المستويين الإنساني والمجالي، وتحويل الدعم المالي من مجرد إعانة ظرفية إلى رافعة حقيقية للتنمية المجالية المندمجة.

وفي هذا الإطار، يضطلع المواكبون الاجتماعيون العاملون بالتمثيليات الترابية للوكالة بمهمة تتبع أوضاع الأسر المستفيدة، ودعمها لتجاوز وضعيات الهشاشة، من خلال مواكبة تمدرس الأطفال، وتتبع صحة الأم والطفل، ووضع مسارات للإدماج الاقتصادي عبر تنمية قدرات ومهارات أفراد الأسر، وتقليص العراقيل التي تعيق اندماجهم المهني والاجتماعي.

وأضاف لقجع أن التمثيليات الترابية الأولى أُطلقت في إطار تجربة نموذجية، ستخضع لتقييم دقيق قبل تعميمها على الصعيد الوطني، بالتوازي مع إرساء منظومة متكاملة لتتبع نجاعة الدعم المباشر وقياس أثره على مؤشرات التنمية البشرية على المستوى الترابي، بما يسمح بتكييف آليات المواكبة مع خصوصيات كل مجال وحاجيات كل أسرة.

ويشمل الدعم الاجتماعي المباشر إعانات مرتبطة بالطفولة، موجهة للأسر التي تتكفل بأطفال تقل أعمارهم عن 21 سنة، في حدود ستة أطفال كحد أقصى، وتُصرف في شكل منحة شهرية يختلف مقدارها حسب سن الطفل ووضعه الدراسي، إضافة إلى دعم تكميلي مخصص لحالات الإعاقة واليتم من جهة الأب.

كما يتضمن البرنامج منحة خاصة بالولادتين الأولى والثانية، حُددت في 2000 درهم عن الولادة الأولى و1000 درهم عن الثانية، فضلا عن إعانة الدخول المدرسي التي تُمنح للأطفال المتمدرسين وتصرف خلال شهر شتنبر من كل سنة.

ويضم البرنامج أيضا إعانات جزافية لفائدة الأسر التي لا تتوفر على أطفال، أو التي تجاوز أبناؤها سن 21 سنة، خاصة تلك التي تضم أشخاصا مسنين في وضعية هشاشة، بهدف تعزيز قدرتها الشرائية وتحسين ظروف عيشها، إلى جانب إعانات خاصة موجهة للأطفال اليتامى والمهملين المقيمين بمؤسسات الرعاية الاجتماعية، لدعم إدماجهم الاجتماعي ومواكبتهم تعليميا.

فإلى أي حد سيتمكن هذا البرنامج، بما رُصد له من موارد وبما أُعلن عنه من آليات مواكبة، من كسر الحلقة البنيوية لإعادة إنتاج الفقر، بدل الاكتفاء بتدبير الهشاشة؟ وهل ستنجح الدولة في جعل الدعم الاجتماعي المباشر رافعة حقيقية للعدالة الاجتماعية والتنمية المجالية، أم أنه سيظل، في غياب تقييم مستقل وربط فعلي بالمحاسبة، مجرد إعادة صياغة لسياسات اجتماعية طال انتظار فعاليتها؟

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button