
(كش بريس/التحرير)ـ شهد قطاع الصحة موجة غضب عارمة في صفوف النقابات المهنية، إثر ما اعتبرته “خطوة غير مفهومة” من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، بعد أن تضمن مشروع الميزانية الفرعية لسنة 2026 ربط نفقات الموظفين بالنفقات المخصصة للمعدات والمصاريف المختلفة، وهو ما أثار جدلاً واسعًا خلال مناقشة المشروع بمجلس النواب.
هذا المستجد أعاد إلى الواجهة النقاش القديم حول “مركزية الأجور”، خصوصًا بعد الاتفاق المبرم بين النقابات والوزارة في يوليوز 2024، القاضي بالحفاظ على أداء أجور مهنيي القطاع من الميزانية العامة للدولة. وترى النقابات في التوجه الجديد “تراجعًا خطيرًا” عن الالتزامات الحكومية السابقة.
وفي هذا السياق، وجه التنسيق النقابي لقطاع الصحة رسالة احتجاج رسمية إلى الوزير خالد التهراوي، ندد فيها بإدماج أجور الموظفين ضمن فصل الميزانية المتعلق بالمعدات والنفقات المختلفة، معتبرًا أن هذا الإجراء يمثل خرقًا صريحًا لمقتضيات اتفاق 2024 وللقوانين المالية المنظمة للقطاع، والتي تنص على أن أجور الموظفين تُؤدى من الخزينة العامة وتضمن لهم مناصب مالية قارة.
كما حذر التنسيق من أن هذه الخطوة قد تعيد حالة الاحتقان إلى القطاع الصحي، في وقت تسعى فيه الدولة إلى ترسيخ الاستقرار الاجتماعي والمواكبة الجيدة لورش إصلاح المنظومة الصحية الوطنية.
من جانبها، عبرت الجامعة الوطنية للصحة التابعة للاتحاد المغربي للشغل عن “استغرابها الشديد” لما ورد في العرض المقدم أمام البرلمان، مشيرة إلى أن الوزارة بررت الأمر بـ”خطأ مادي” تسرب إلى الوثيقة الرسمية. غير أن النقابة اعتبرت هذا التبرير غير مقنع، مؤكدة أن الأمر يشكل “تهديدًا صريحًا لاستقرار المهنيين الوظيفي والاجتماعي”.
تبدو الأزمة الحالية أكثر من مجرد “خطأ تقني في وثيقة مالية”، إذ تعكس — في جوهرها — توترًا هيكليًا بين السلطة الحكومية والإطار النقابي داخل قطاع يُعد من أكثر القطاعات حساسية في المغرب.
إن ربط أجور مهنيي الصحة بفصل الميزانية الخاص بالمعدات والمصاريف الجارية، وإن كان تبرير الوزارة له تقنيًا، يحمل رمزية سياسية عميقة، فهو يوحي بنزعة نحو اللامركزية المالية في تسيير القطاع الصحي، وربما توطئة لتحويل جزء من صلاحيات التسيير إلى المجموعات الصحية الترابية الجديدة.
لكن النقابات تقرأ هذا التحول من زاوية مغايرة: تهديد للاستقرار الوظيفي والمالي لمهنيي القطاع، ومسٌّ بمبدأ مركزية الأجور الذي يضمن استمرارية الدولة في تحمل مسؤولية الأجور بعيدًا عن تقلبات تدبير المؤسسات الجهوية أو الترابية.
من جهة أخرى، يكشف هذا الاحتقان عن هشاشة الثقة بين الفاعل النقابي والحكومة، حيث إن مجرد “إشارة مالية” في وثيقة مشروع يمكن أن تشعل فتيل التوتر من جديد، وهو ما يعكس عمق الأزمة التراكمية في تدبير الحوار الاجتماعي بقطاع الصحة.
جدير بالإشارة أن الإصلاح البنيوي للمنظومة الصحية لا يمكن أن يتم دون وضوح في تصور الدولة لوضعية الموارد البشرية وموقعها ضمن هندسة اللامركزية الصحية. وأن الخطأ المالي الظاهري – إن صحّ أنه مجرد خطأ – يبرز الحاجة إلى تدبير تواصلي مؤسساتي ناضج يحصّن ورش الإصلاح من التأويلات النقابية والسياسية التي قد تربك مساره.





