‏آخر المستجدات‏أخبار وطنية

وسام إسباني سام لحموشي: تتويج لمسار التعاون الأمني المغربي–الإسباني وصعود المدرسة الأمنية المغربية

(كش بريس/خاص)ـ في مشهد يعكس عمق الشراكة الاستراتيجية بين الرباط ومدريد، أشرف وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا، اليوم الثلاثاء بالعاصمة الإسبانية مدريد، على حفل رسمي لتوشيح المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني عبد اللطيف حموشي، بـ وسام الصليب الأكبر للاستحقاق للحرس المدني الإسباني، وهو أرفع وسام أمني تمنحه إسبانيا لشخصية أجنبية، تقديراً لدوره الريادي في تعزيز التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.

اعتراف دولي بالكفاءة المغربية في الأمن والاستخبارات

يمثل هذا التوشيح لحظة فارقة في تاريخ الدبلوماسية الأمنية المغربية، ليس فقط باعتباره تتويجاً لمسار مهني استثنائي لعبد اللطيف حموشي، بل بوصفه اعترافاً إسبانياً وأوروبياً متجدداً بفعالية المقاربة الأمنية المغربية التي باتت نموذجاً يحتذى به في محيط متوسطي مضطرب.

فقد أكد وزير الداخلية الإسباني أن هذا الوسام هو تعبير صادق عن التقدير العميق للجهود التي يبذلها حموشي لتطوير الشراكة الأمنية الثنائية، مبرزاً ما وصفه بـ”الجهود الاستثنائية” في تحديث مؤسستي الأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، والرفع من جاهزيتهما المهنية والاستخباراتية لمواجهة التهديدات العابرة للحدود.

هذا الاعتراف، كما يرى المراقبون، يُترجم تحول المغرب من موقع المتعاون الأمني إلى الشريك الاستراتيجي القادر على إنتاج المعلومة وتحليلها ومشاركتها بفعالية، بما يخدم استقرار الحوض المتوسطي وأمن أوروبا الجنوبية.

الأمن كقوة ناعمة جديدة للدبلوماسية المغربية

يأتي هذا التتويج في سياق تنامي الدبلوماسية الأمنية للمغرب كأحد محاور السياسة الخارجية الجديدة التي تمزج بين الفاعلية الميدانية والاحترام المؤسسي، في إطار رؤية الملك محمد السادس لجعل الأمن أداة لبناء الثقة والتعاون بدل الصراع والتوجس.

لقد نجحت الرباط، خلال العقدين الأخيرين، في ترسيخ مكانتها بوصفها مركزاً إقليمياً لتبادل الخبرات الأمنية والاستخباراتية، سواء في مكافحة الإرهاب أو شبكات الهجرة غير النظامية أو الجريمة السيبرانية. ومن هنا يمكن قراءة وسام الصليب الأكبر كـ إشارة سياسية من مدريد إلى أن أمن إسبانيا يبدأ من استقرار المغرب.

توشيح يتجاوز الرمزية: تحالف استراتيجي متجدد

تزامن هذا التكريم مع سلسلة لقاءات ثنائية بين حموشي وكبار مسؤولي الحرس المدني الإسباني، تمحورت حول تعزيز العمليات المشتركة لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف والجريمة المنظمة.

ويُفهم من توقيت الحفل ومضمونه أنه رسالة استراتيجية مزدوجة:

أولاً، تأكيد الثقة الإسبانية في الأجهزة الأمنية المغربية قبيل التحضيرات التنظيمية الكبرى المرتبطة باستضافة كأس العالم 2030.

ثانياً، إعادة تموقع العلاقات المغربية الإسبانية في مستوى شراكة أمنية متقدمة تتجاوز التنسيق إلى الاندماج العملياتي في مواجهة المخاطر المشتركة.

تراكم التوشيحات الدولية: بناء مدرسة أمنية مغربية

تتوج هذه الخطوة سلسلة من الاعترافات الدولية المتعاقبة بشخص عبد اللطيف حموشي، إذ سبق أن حصل على:

*وسام الصليب الشرفي للاستحقاق الأمني بتميز أحمر من إسبانيا سنة 2014،

*وسام فارس من الدرجة الوطنية الشرفية من فرنسا سنة 2011،

*ميدالية الشرف الذهبية للشرطة الفرنسية في 5 غشت 2024،

*وسام جوقة الشرف من درجة ضابط في يونيو 2025،

*ووسام الأمير نايف للأمن العربي من الدرجة الأولى سنة 2025 من مجلس وزراء الداخلية العرب.

*كما كان قد حظي سنة 2011 بـ وسام العرش من درجة ضابط من الملك محمد السادس، في سابقة تؤكد مكانته داخل منظومة الأمن الوطني.

هذه التوشيحات المتتالية تشكل تراكماً رمزياً وسياسياً لبروز “المدرسة الأمنية المغربية” كفاعل مركزي في منظومة الأمن الإقليمي والدولي، بفضل مقاربة متوازنة تجمع بين الصرامة القانونية، والذكاء الاستخباراتي، والبعد الإنساني في تدبير الأمن.

الأمن بوصفه لغة جديدة للثقة بين الرباط ومدريد:

يُظهر هذا الحدث أن التحالف المغربي الإسباني تجاوز مرحلة البرود السياسي التي ميزت العلاقات بين البلدين قبل سنتين، ليدخل مرحلة التنسيق الاستراتيجي المتكامل.

فبعد الاتفاق حول قضية الصحراء ودعم مدريد لمقترح الحكم الذاتي المغربي، جاء هذا التتويج ليكرس تحول العلاقات من منطق الحدود إلى منطق المصير المشترك.

ويؤشر منح هذا الوسام أيضاً على أن مدريد ترى في الرباط الضامن الأساسي لاستقرار الجوار الجنوبي للاتحاد الأوروبي، وأنها تراهن على الدور المغربي في ضبط توازنات المنطقة المتوسطية والإفريقية.

إن توشيح عبد اللطيف حموشي بوسام الصليب الأكبر للحرس المدني الإسباني ليس حدثاً بروتوكولياً، بل هو اعتراف سياسي واستخباراتي بوزن المغرب الدولي في هندسة الأمن المعاصر. وهو أيضاً ترسيخ لمفهوم الأمن الدبلوماسي الذي يعيد تعريف العلاقات بين الدول من خلال منطق الثقة والتنسيق العملياتي بدل التحالفات الشكلية.

للإشارة، إن الرباط لم تعد فقط “شريكاً أمنياً”، بل فاعلًا يصنع أمن المنطقة ويدير توازناتها بعقلانية استراتيجية وحنكة استخباراتية عالية.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button