
(بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية)
مقاربة مفاهيمية
عن الخط العربي :
الحمدلله الذي علم بالقلم .
كان لنزول القرآن الكريم باللسان العربي أثر إيجابي أدى إلى تطور نوعي في الكتابة العربية ، ومن ثم انتشر الخط العربي أفقيا بتنوعه الشكلي المعماري . وتطور رأسيا في مسار الجودة والاتقان والتصميم ، حيث وضعت المعايير القياسية لميزان رسم الحروف حسب النوع .
ومن هنا صار الخط العربي عنوان لهوية الفن الإسلامي بين الفنون .
وذلك ابتداء من القرن السابع حيث كان قبل ذلك يكتب المسلمون بالخط الحجازي البسيط .
ومن ثم نشأت مدارس متنوعة للخطوط في حواضر الإسلام ، ونسبت بعض الخطوط إلى الأمصار التى نشأت فيها وابتكرتها، مثل الخط الكوفي بأنواعه ، والخط الفارسي . بع ونبغ كثير من المبدعين أمثال ابن مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمي وحمد الله الأماسي، وغيرهم من رواد الخطاطين.
تميز الخط العربي بميزات ثلاث ، وحسب علمي فلا أكاد أعرف في لغات العالم لغة نالت هذا الحظ من هذه الميزات الثلاث التي تفرد بها الحرف العربي . وهي كالتالي :
١ . الميزة الأولى : التنوع
تتنوع الخطوط العربية إلى عدد من الأنواع ، ولكل نوع منها خصوصيته الشكلية البصرية وإيحاءآته الذوقية النفسية كعنصر تشكيلي جمالي .
أشهر الخطوط في زماننا هذا ، الثلث والكوفي والنسخ والرقعة والديواني والفارسي . فيما نجد الخطوط غير العربية محدودة في نوع أو نوعين منها ، الخط اللاتيني مثالا .
هذا وتنوع الخطوط العربية يعطي الخطاط خيارات عدة في أي الأنواع من الخطوط يناسب أي الموضوعات من النصوص ، فما كل خط يناسب كل موضوع ، ومن هنا كان التنوع ميزة تعطي الخطاط جملة من الخيارات ، بمقتضى النصوص التي يراد كتابتها .
٢ . الميزة الثانية : المرونة
يتمتع الحرف العربي بمرونة مذهلة، وقدرة فائقة على التكيف، فيمكن للخطاط أن يخط نفس هذه الجملة :(الخط الجميل حلية الكاتب)المكونة من أربع كلمات ، يستطيع الخطاط أن يكتبها ملتزما بمساحة أي شكل من الأشكال الهندسية ، الدائرة والمربع ونصف الدائرة ، وشكل الهلال ، والمستطيل والشكل البيضاوي والمثلث سواء كان المثلث على شكل هرمي متساوي الساقين ، أم مثلث متساوي الأضلاع.
وجانب آخر من المرونة والتكيف يتعلق بإمكانية الكتابة على مختلف الأطوال . فيستطيع الخطاط أن يكتب نفس الجملة أعلاه على قطعة من القماش أو الخشب طولها مترين أو متر أو 50 سم أو 20 سم .. إلخ .
كذلك يستطيع الخطاط أن يكتب نفس الجملة على نفس هذه الأطوال من غير كبير عناء ، سواء كانت تنتصب اللوحة رأسيا ، أو تمتد أفقيا .
وغير الأشكال الهندسية ، يمكن للخطاط أن يصمم لوحة خطية على أي شكل آخر كصورة لبعض الفواكه والثمار والأواني ،،، ونحوها .
٣ . الميزة الثالثة : المعيارية
للخط العربي مقاييس جمالية من وحي الثقافة البصرية التي يتمتع بها الخطاط المبدع بالضرورة الفنية .
ولضبط هذه المقاييس أتخذت النقطة بسنة القلم الذي يكتب به الخطاط ؛ معيارا لضبط توقيع الحرف سمكا وطولا وعرضا وامتدادا . ومن هنا كان لكل حرف عددا محددا من النقاط يلتزم بها الخطاط أثناء رسمه الحروف . وبهذه النقاط يتمكن الناقد الفني أن يحدد بالنقاط إن كان في خط الحروف ثمة خروج عن المعايير أم لا .
ومن ثم وضعت معايير أخرى تتعلق مثلا بتحديد الحروف التي تنزل تحت السطر ، والتي تستند على السطر ، ومتى يمكن أن يمد الحرف ومتى لايمد ، وما التحورات التي تحصل لرسم الحرف مفردا ، وفي أول الكلمة ، ووسطها وآخرها .
ومن المعايير المهمة ، مراعاة الوضعية الخاصة بلفظ الجلالة – الله- في النص ، مثلا عندما يرد في ضمن تشكيل اللوحة الخطية .
ومن المعايير الرسالية ، أن ينتقي الخطاط النصوص ذات المضامين القيمية المحفزة لكل فعل جميل .
لأن من رسالة الخطاط أن يزاوج بين الغرض الوظيفي المجرد للنص والغرض الجمالي الإبداعي للشكل .
فإن الله جميل يحب الجمال.
—————-‐—
- أبوالحسن السماني .
أم درمان ١٠-١٢-٢٠٢٥
*كاتب سوداني





