
(كش بريس/التحرير) ـ
عندما أعلنت وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة عن توقيع مذكرة تفاهم، اليوم الجمعة، مع شركة Mistral AI الفرنسية، قُدِّم الخبر في بلاغ رسمي على أنه خطوة متقدمة نحو إدماج المغرب في دينامية الذكاء الاصطناعي العالمي، مع التزام ببناء منصة وطنية للذكاء الاصطناعي المسؤول وإطار عمل مؤسساتي يواكب التحولات الرقمية.
غير أنّ ما لم يُذكر يطرح من جديد مشكلة “المسكوت عنه” في البلاغات الرسمية، حيث تبقى الأسئلة الجوهرية بلا إجابات واضحة.
1. ثمن الشراكة: من يدفع؟ وبأي مقابل؟
أول ما يخطر على البال هو السؤال الكلاسيكي: ما كلفة هذه الشراكة على المال العام؟
فالتعاون مع شركة بحجم “Mistral AI”، المصنفة أوروبياً ضمن رواد الذكاء الاصطناعي، لا يمكن أن يكون مجانياً. هل تعهّد المغرب بتمويل مشروعات بحثية أو بشراء تراخيص برمجيات خاصة؟ أم أن المقابل سيأتي على شكل فتح السوق المغربي أمام منتجات الشركة الفرنسية؟
البلاغ اكتفى بعبارات دبلوماسية من قبيل “تعزيز التعاون” و”تطوير الذكاء الاصطناعي المسؤول”، لكنه لم يوضح لا قيمة الاستثمار ولا حدود الالتزامات المالية.
2. السيادة الرقمية على المحك
شراكات من هذا النوع تثير سؤالاً آخر لا يقل أهمية: من يملك البيانات؟
إذا كانت الخوارزميات والقدرات الحاسوبية ستُبنى بشراكة مع فاعل أجنبي، فهل سيحتفظ المغرب بالسيادة الكاملة على معطياته الاستراتيجية؟ أم أن الشركة الشريكة سيكون لها منفذ غير مباشر إلى قاعدة بيانات ضخمة يمكن أن تصبح موردها الرئيسي في المستقبل؟
3. موقع الجامعات والباحثين المحليين
رغم أن البلاغ تحدث عن تعزيز البحث العلمي، إلا أنه لم يكشف:
- هل هناك تمويل مخصص لمختبرات الجامعات المغربية؟
- هل سيكون للباحثين المغاربة دور محوري في صياغة النماذج اللغوية والأنظمة الذكية؟
أم أن المغرب سيكتفي بلعب دور “المُستعمل” لتقنيات جاهزة تستورد من الخارج؟
4. سؤال الشفافية
يظل الخيط الجامع بين هذه التساؤلات هو غياب الشفافية. فمذكرات التفاهم عادة ما تكون خطوة أولية تعلن حسن النية، لكن عندما تُقدَّم للرأي العام وكأنها إنجاز استراتيجي كبير دون تفاصيل عن الالتزامات المادية والتقنية، تتحول إلى مادة مثيرة للريبة أكثر من كونها مدعاة للفخر.
نحو نقاش عمومي؟
المغرب في حاجة إلى إدماج الذكاء الاصطناعي في منظومته الاقتصادية والإدارية، لكن هذا الإدماج لا ينبغي أن يتم في الظل. الرأي العام، والباحثون، والخبراء الاقتصاديون، جميعهم معنيون بمعرفة كم سيدفع المغرب؟ و ماذا سيكسب فعلياً؟
إنها أسئلة مستعصية لأن البلاغات الرسمية لا تريد أن تُجاب عنها، لكنها تظل أساسية لفهم طبيعة التحولات الرقمية التي تُصاغ باسم “المصلحة الوطنية”.