
ـ سؤال الشفافية قبل سؤال الرقابة ـ
(كش بريس/ التحرير)ـ أعاد قرار نظام الإنذار السريع للأغذية والأعلاف في الاتحاد الأوروبي (RASFF) بمصادرة شحنة من الطماطم الكرزية المغربية الضوء على حساسية صادرات المملكة الفلاحية تجاه السوق الأوروبية. فقد أعلنت السلطات الهولندية، يوم الأربعاء، أن الفحوص الداخلية التي أجرتها إحدى الشركات المستوردة كشفت عن وجود “معدن غير محدد” في الشحنة، لتصنف على الفور باعتبارها خطرا “جسيما”، ما استدعى تعميم إشعار عاجل على دول أوروبية أخرى، من بينها ألمانيا والدنمارك وجمهورية التشيك والمملكة المتحدة.
ورغم أن البلاغ لم يشر إلى أي حالة تسمم أو أعراض مرضية مرتبطة بالاستهلاك، فإن الإجراء الوقائي طرح تساؤلات جدية تتجاوز الطابع التقني للحادثة، لتلامس صورة المنتوج المغربي ومكانته داخل السوق الأوروبية التي تمثل الشريك التجاري الأول للقطاع الفلاحي الوطني.
حساسية الموقع التصديري المغربي
تشكل الطماطم أحد أعمدة الصادرات المغربية، بما تدره من عائدات مالية وبما توفره من فرص عمل في المناطق الزراعية. غير أن تكرار حالات الإنذار، ولو بنسب محدودة، يكشف أن المغرب يظل في موقع هش أمام صرامة المعايير الأوروبية، وهو ما قد يتحول في لحظات إلى ورقة ضغط تجاري وسياسي أكثر منه مسألة مرتبطة فقط بسلامة المستهلك.
إشكالية الشفافية والمسؤولية
السؤال الجوهري لا يرتبط فقط بسبب التلوث أو طبيعة المعدن المكتشف، بل يتعلق أكثر بـ مصير هذه الشحنات بعد مصادرتها:
- هل يعاد توجيهها إلى السوق المغربية الداخلية؟
- أم تتلف بشكل كامل وفق معايير الصحة؟
- أم يُعاد تصديرها إلى أسواق أقل صرامة في مراقبتها؟
غياب معطيات رسمية دقيقة حول هذه السيناريوهات يترك المواطن المغربي في موقع الضبابية، ويجعل المستهلك الأوروبي يبدو محميا أكثر من المستهلك المحلي.
ويمكن النظر في الموضوع المثير للسؤال إلى ثلاثة مستويات:
- تقني: الحاجة إلى تعزيز منظومة المراقبة الوطنية قبل مغادرة السلع الموانئ، بما يضمن مطابقة صارمة لمعايير السلامة الدولية.
- اقتصادي: سمعة الصادرات المغربية قد تتضرر على المدى المتوسط إذا تكررت مثل هذه الحوادث، في وقت تشهد فيه الأسواق الأوروبية منافسة محتدمة من دول متوسطية أخرى.
- مؤسساتي: غياب الشفافية في الإعلان عن مسار الشحنات المصادرة يضعف ثقة الرأي العام، ويطرح إشكالية المحاسبة داخل سلسلة الإنتاج والتصدير.
نحو استراتيجية وقائية
لا يكفي أن يتعامل المغرب مع هذه الإنذارات بمنطق ردّ الفعل أو معالجة حالات معزولة. ما يبدو ضروريا هو:
- تطوير آليات الفحص الداخلي الصارمة قبل التصدير.
- التواصل بشفافية مع المستهلك المحلي والدولي حول الإجراءات المتخذة.
- إرساء آلية للتتبع تضمن أن المنتوجات غير المطابقة لا تجد طريقها إلى السوق الوطنية.
إن حادثة الطماطم الكرزية ليست مجرد واقعة عابرة، بل هي جرس إنذار مزدوج: إنذار خارجي يكشف صرامة المراقبة الأوروبية، وإنذار داخلي يفضح هشاشة قنوات الشفافية في التعاطي مع قضايا سلامة الغذاء. وبينهما، يظل المستهلك المغربي بحاجة إلى يقين أكبر حول ما يُستورد ويُصدّر، وإلى طمأنة توازي على الأقل ما يُمنح لنظيره الأوروبي.