‏آخر المستجداتالرياضة

إعفاء الشركات الرياضية من الضريبة لخمس سنوات: إصلاح جبائي أم رهان كروي جديد؟

(كش بريس/التحرير)ـ في خطوة ذات أبعاد مالية وتشريعية ورياضية، أعلن فوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، أن الشركات الرياضية المؤسسة وفق أحكام القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة، ستستفيد من إعفاء كلي من الضريبة على الشركات لمدة خمس سنوات محاسبية متتالية، ابتداءً من السنة التي تنجز فيها أول عملية بيع خاضعة للضريبة.

الإجراء، بحسب لقجع، يندرج ضمن رؤية إصلاحية تهدف إلى تجويد حكامة الأندية الرياضية، وخلق نموذج اقتصادي شفاف قابل للتتبع والمساءلة، يعوض نمط التسيير الجمعوي التقليدي الذي هيمن لعقود على المشهد الرياضي المغربي.

بين النص القانوني والواقع الرياضي:

يستند هذا التوجه إلى مقتضيات القانون 30.09، الذي ألزم الجمعيات الرياضية بإحداث شركات لتدبير فروعها، في أفق احتراف القطاع وتنظيمه مالياً ومؤسساتياً.

غير أن السنوات الماضية كشفت عن تعثر في تنزيل هذه المرحلة الانتقالية، ما أفرز نوعاً من “الفراغ القانوني” بين النظام الجمعوي القديم والنظام المقاولاتي المنشود.

وبتخصيص تحفيز جبائي مرحلي، تسعى الحكومة إلى تشجيع الأندية على الانخراط الفعلي في مسار التحول نحو الشركات الرياضية، وجعلها كيانات خاضعة للشفافية المالية والتصريح الضريبي الواضح، في انسجام مع مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

المنظومة الجبائية كرافعة للحكامة:

من الناحية القانونية والمالية، يشكّل الإعفاء الضريبي آلية مشروعة ضمن التحفيزات الجبائية التي تنص عليها مدونة الضرائب المغربية، والتي تهدف إلى دعم القطاعات الناشئة أو الحيوية.

ويُعدّ القطاع الرياضي، وفق هذا المنظور، قطاعاً ذا قيمة مضافة اجتماعية واقتصادية، يمكن أن يتحول إلى محرك للاستثمار والتشغيل والعائد المالي متى توفرت له البنية القانونية والمالية السليمة.

لكن من زاوية أخرى، فإن الإعفاءات الضريبية المؤقتة يجب أن تُواكبها آليات مراقبة ومحاسبة دقيقة لضمان ألا تتحول إلى غطاء للتهرب أو الريع الرياضي، خاصة في ظل تجارب سابقة أظهرت ضعف الشفافية في تدبير مالية بعض الجمعيات الرياضية.

التحول المؤسساتي ورهانات “المونديال 2030”:

ربط لقجع هذا الإصلاح بالتحضير لتنظيم كأس العالم 2030، معتبراً أن تأهيل الأندية وتحديث بنياتها القانونية هو شرط أساسي لدخول مرحلة جديدة من الاحتراف والتنافسية.

فالدول التي سبقتنا في هذا المسار – مثل إنجلترا وإسبانيا وفرنسا – جعلت من الشركات الرياضية مؤسسات اقتصادية قائمة بذاتها، بعضها مدرج في البورصة، ما أتاح جذب رؤوس الأموال والاستثمارات الخارجية.

إن الانتقال نحو النموذج المقاولاتي في الرياضة لا يهدف فقط إلى تسوية الإشكالات المرتبطة بالديون والمستحقات، بل يسعى إلى بناء اقتصاد رياضي مستدام يمكن قياس أدائه ومردوديته، بعيداً عن منطق الولاءات والقرارات الارتجالية.

في الجوهر، يبدو أن الدولة تراهن على المعادلة الثلاثية: القانون + الاقتصاد + الرياضة، لتأسيس جيل جديد من الأندية التي تشتغل بمنطق الشركة، وتُحاسب بمنطق الشفافية. لكن هذا المشروع الطموح لن ينجح إلا إذا واكبته، إصلاحات في منظومة المراقبة والمحاسبة المالية للأندية. وتأهيل الموارد البشرية الرياضية والتدبيرية. وإلزام الأندية بتقارير محاسباتية سنوية مصادق عليها. بالإضافة إلى تحفيز المستثمرين على دخول القطاع دون الخوف من البيروقراطية أو الغموض القانوني.

الإعفاء الجبائي ليس منحة مجانية، بل هو عقد ثقة بين الدولة والمنظومة الرياضية. نجاح التجربة مرهون بمدى قدرة الأندية على التحول من كيانات هوَوية إلى مؤسسات اقتصادية مستقلة، قادرة على المنافسة والإنتاج والاستدامة. وإذا كانت كرة القدم اليوم صناعة بمليارات الدولارات، فإن المغرب يخطو ـ بهذا القرار ـ خطوة جريئة نحو تمهين الرياضة، في أفق أن تصبح الأندية جزءاً من الناتج الداخلي الرياضي الوطني الذي يعكس طموح المملكة نحو العالمية.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button