‏آخر المستجداتبقية العالم

إعلان نيويورك بين خطاب الشرعية ومأزق الواقع الفلسطيني

(كش بريس/ التحرير)ـ

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجمعة، إعلان نيويورك الهادف إلى إحياء مسار حل الدولتين في النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي، حيث حصل النص على تأييد واسع بـ142 صوتاً مقابل رفض 10 دول، بينها الولايات المتحدة وإسرائيل، وامتناع 12 دولة عن التصويت. الإعلان أدان بشكل واضح حركة حماس، داعياً إياها إلى إلقاء السلاح، في وقت أكد فيه على ضرورة العودة إلى مسار الدولتين كحل وحيد للصراع.

هذا القرار، على الرغم من زخمه الرمزي، يطرح أكثر من سؤال حول جديته وقدرته على تحويل التوازنات القائمة. فمن الناحية الشكلية، يكشف التصويت عن عزلة متنامية للولايات المتحدة وإسرائيل داخل الساحة الأممية، إذ إن حجم التأييد يعكس إجماعاً دولياً على مبدأ الحل السياسي. لكن من الناحية العملية، يظل القرار في حدود الشرعية الرمزية، بما أنه يفتقر إلى آليات التنفيذ، خاصة مع ضمان واشنطن تعطيل أي خطوات عملية عبر مجلس الأمن.

إشكالية القرار تكمن في ازدواجية خطابه؛ فهو يدين المقاومة الفلسطينية، ممثلة في حماس، بعبارات صارمة، بينما يلتزم لغة ملطفة في ما يخص الاحتلال الإسرائيلي، الاستيطان، والحصار، التي تمثل جوهر الأزمة. بهذا المعنى، يظهر الإعلان وكأنه محاولة لتبرئة الشرعية الدولية من عجزها التاريخي، أكثر من كونه مدخلاً لحل فعلي.

الأكثر إثارة للجدل هو الشرط الضمني الذي يتضمنه الإعلان: إقصاء حماس من أي معادلة مستقبلية. هذا الشرط، الذي يتماشى مع الرؤية الغربية–الإسرائيلية، يعزز السلطة الفلسطينية كطرف وحيد في التفاوض، رغم هشاشتها الداخلية وتراجع شرعيتها الشعبية. النتيجة المحتملة هي إعادة إنتاج الانقسام الفلسطيني، بدل الدفع نحو وحدة الصف الوطني كشرط ضروري لأي تسوية سياسية.

إعلان نيويورك إذن ليس مجرد وثيقة أممية، بل هو مرآة للتوازنات الدولية الراهنة: انحياز واضح للقراءة الغربية للصراع، مع محاولة الحفاظ على خطاب “حل الدولتين” كصيغة مألوفة تخفي استحالة تطبيقه على أرض تزداد تمزقاً بفعل الاستيطان والاحتلال. وبينما يسعى المجتمع الدولي إلى تسويق هذا الإعلان كخطوة نحو السلام، يظل الواقع يشي بأن ما تحقق لا يتجاوز حدود الشرعية الرمزية التي لا تغير شيئاً في موازين القوى الميدانية.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button