
(كش بريس/التحرير)ـ في لحظة مفصلية من تاريخ الدبلوماسية المغربية، عبّر اتحاد كتاب المغرب عن تهنئته لجلالة الملك محمد السادس وللشعب المغربي، عقب مصادقة مجلس الأمن، مساء 31 أكتوبر 2025، على القرار التاريخي الداعم لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية في الأقاليم الجنوبية.
بيان الاتحاد، في لغته الهادئة العميقة، لا يكتفي بالتعبير عن الفخر الوطني، بل يذهب أبعد من ذلك، إذ يستعيد المثقف بوصفه ضمير الأمة وذاكرتها الحية، ويضعه في قلب المشروع الوطني المتجدد الذي يتجاوز السياسي نحو الثقافي والرمزي.
يرى اتحاد كتاب المغرب في هذا القرار الأممي تتويجًا لمسار تاريخي طويل من النضال الوطني والدبلوماسي، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، الذي استطاع أن يحوّل قضية الصحراء من ملف نزاع إقليمي إلى قضية إجماع دولي على واقعية الحل المغربي.
البيان يقرأ القرار من زاوية رمزية أكثر من كونه حدثًا سياسيا، معتبرًا إياه “انتصارًا للشرعية التاريخية والسياسية، واعترافًا دوليًا بالحكمة المغربية في تدبير النزاعات”، كما يؤكد على “الجهود الدبلوماسية الهادئة والفعالة” التي انتهجها المغرب، وهو توصيف يتجاوز المديح السياسي إلى التنويه بفلسفة الدولة المغربية في إدارة الخلافات؛ فلسفة تقوم على الهدوء، والبراغماتية، وبناء الثقة بدل الصدام.
وفي هذا السياق، يدعو اتحاد كتاب المغرب المثقفين والكتّاب إلى الانخراط في هذا المسار من موقعهم الإبداعي والفكري، عبر تحويل المكسب السياسي إلى طاقة رمزية وثقافية تكرّس مغربية الصحراء في الوعي الجمعي، لا فقط في الخطاب الرسمي. فالمعركة، كما يلمّح البيان، لم تعد دبلوماسية أو حدودية فحسب، بل معركة سردية ورمزية، تتطلب بناء خطاب ثقافي متجذر في الذاكرة المشتركة، ومفتوح على قيم الحداثة والتعدد والوحدة في التنوع.
وبدعوته إلى “تجسيد هذا المكسب في مشاريع فكرية وثقافية وتنموية”، يعيد الاتحاد الاعتبار لدور المثقف المغربي في صيانة السيادة الرمزية للوطن. فالأقاليم الجنوبية ليست فقط مجالًا جغرافيًا، بل فضاء إنسانيًا له تاريخ أدبي وشفهي وروحي، يحتاج إلى استثمار ثقافي وإبداعي يربط الإنسان بالأرض والهوية.
من هنا، يبدو البيان دعوة إلى إعادة كتابة الجنوب المغربي في نصّ الأمة الكبير، واستثمار الأدب والفكر كجسور للمصالحة بين الرمزي والواقعي، وبين الذاكرة والحداثة.
يلتقط الاتحاد أيضًا البعد التنموي والإنساني للقرار الأممي، معتبرًا أن الدفاع عن الصحراء هو أيضًا دفاع عن حق الإنسان الصحراوي في التنمية والكرامة والمواطنة الكاملة.
إن توظيف المثقفين لهذا الانتصار في مشاريع فكرية وتنموية، كما جاء في البيان، يعني جعل الثقافة محرّكًا استراتيجيا للتنمية المستدامة، وليست مجرد ترف فكري أو زخرفة خطابية.
ينتهي البيان بدعوة جامعة لكل القوى الوطنية للالتفاف حول قيم “الوحدة والحرية والتنمية”، في تأكيد على أن المعركة لم تنتهِ بعد، بل دخلت مرحلة جديدة تتطلب من المثقفين والإعلاميين والنخب الأكاديمية أن يؤسسوا ذاكرة الانتصار لا أن يكتفوا بالاحتفاء بها.
كما يستحضر الاتحاد أرواح الشهداء الذين سقطوا دفاعًا عن السيادة الوطنية، في ربطٍ بين الماضي النضالي والمستقبل الثقافي للوطن، بين الوفاء والابتكار، بين التاريخ والحلم.
يأتي بيان اتحاد كتاب المغرب كوثيقة رمزية تذكّر بأن الكتابة أيضًا شكل من أشكال المقاومة، وأن معركة الصحراء ليست فقط معركة جغرافيا، بل معركة سردٍ وذاكرة وهوية.
وفي زمن تتقاطع فيه السياسة بالثقافة، والدبلوماسية بالمعنى، يصبح المثقف المغربي شاهدًا ومشاركًا في بناء “الشرعية السردية” للوطن، تلك التي تُكمل شرعية الأرض والقانون والسيادة.



