
(كش بريس/ التحرير)ـ جددت النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي رفضها لمشروع القانون المنظم للتعليم العالي والبحث العلمي رقم 59/24 في صيغته الحالية، مؤكدة على ضرورة سحبه لإعادة التعديل وتوسيع دائرة التشاور. بينما شدد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين ميداوي، على أن المشروع تمت مراجعته وتعديل كثير من مقتضياته لدى الأمانة العامة للحكومة، مؤكداً على الالتزام بتمكين النقابة من النسخة الرسمية وفتح حوار موسع لتوقيع محضر مشترك بالتعديلات المتفق عليها.
خلفية اللقاء والنقاط الخلافية
جاء موقف النقابة عقب لقاء دام أكثر من ست ساعات بمقر الوزارة، عبّر فيه المكتب الوطني عن امتعاضه واستغرابه من إقصاء الفاعلين الأساسيين في إعداد مشروع قانون حيوي للجامعة، قبل وضعه في المسار التشريعي. واعتبرت النقابة أن القانون في صورته المتداولة لا ينسجم مع قيم الجامعة واستقلاليتها، ويعزز هيمنة القطاع الخاص على حساب الجامعة العمومية، ويهدد وظائفها ويزرع التفاوت الاقتصادي والمجالي والاجتماعي.
مطالب النقابة واستراتيجيتها
دعت النقابة إلى توسيع التشاور حول الإصلاح البيداغوجي، بما يضمن الجودة والمصداقية في الهياكل الجامعية المختصة، ويرسخ حقوق الأساتذة الباحثين. وأكدت على ضرورة الإسراع بالإفراج عن النسخة الرسمية المعدلة من المشروع للتداول العمومي، لإتاحة النقاش الموسع حول كل مواده، بما يضمن كرامة الأستاذ الباحث واستقلالية الجامعة وترسيخ الحرية الأكاديمية.
نقاط الاتفاق والإصلاحات المتفق عليها
تم الاتفاق بين الوزارة والنقابة على تحديث دفتر الضوابط البيداغوجية لعام 2025، مع فتح منصة الاعتماد لفترة كافية لاستكمال مشاريع التكوينات البيداغوجية خارج ضغط التسرع، لضمان جودة التكوين الأكاديمي. كما تم الاتفاق على مراجعة ملفات الأقدمية وترقيات الأساتذة الباحثين لعامي 2023 و2024، رغم الإشكالات المرتبطة بالمادة التاسعة من النظام الأساسي، والتي تعتبرها النقابة عائقاً أمام تطور المسار المهني للأستاذ الباحث.
وفيما يخص ملف الدكتوراه الفرنسية، أكدت الوزارة استمرار رفض وزارة المالية، فيما اعتبرت النقابة أن القضية لا تتعدى كونها مسألة رد اعتبار للأساتذة الباحثين. كما لقيت المطالب المتعلقة بمنح سنوات اعتبارية للأساتذة الباحثين قبولاً مبدئياً من الوزارة بعد إقناعها بعدالة المرافعة النقابية.
التحليل التركيبي
المواجهة بين النقابة والوزارة تكشف عن توتر بنيوي في مسار إصلاح التعليم العالي بالمغرب. من جهة، تحاول الوزارة فرض مسار قانوني سريع لتنظيم القطاع بما يتوافق مع توجهاتها الإصلاحية. ومن جهة أخرى، ترى النقابة أن أي مسار مستعجل دون تشاور موسع يُهدد استقلالية الجامعة ويضعف الثقة بين الشركاء الاجتماعيين.
هذا الصراع يعكس مفارقة أساسية في السياسة التعليمية: الرغبة في تحديث المنظومة وضمان الجودة، مقابل الحاجة إلى حماية مكتسبات الجامعة العمومية وحقوق الأساتذة الباحثين. إذ أن القانون، مهما كانت نواياه، لا يمكن أن يتحقق دون إشراك الفاعلين الأساسيين وإعادة الاعتبار لمبادئ التشاور التشاركي.
في ضوء ذلك، يصبح ما جرى من لقاء طويل ومفاوضات أولية اختبارًا حقيقيًا لجدية الحكومة في اعتماد مقاربة تشاركية، ولقدرة النقابة على حماية استقلالية الجامعة وكرامة الأستاذ الباحث، مع ضرورة معالجة ملفات الأقدمية والترقيات وضبط الضوابط البيداغوجية بما يوازن بين الإصلاح والحقوق المكتسبة.