‏آخر المستجداتالمجتمع

الأمن الغذائي في المغرب بين ندرة الموارد واستدامة الإصلاح

ـ حول تقرير السياسات الغذائية العالمي 2025 ـ

(كش بريس/التحرير)ـ

بين التقدم الهيكلي والهشاشة البيئية:

يضع التقرير العالمي لسياسات الغذاء لعام 2025 المغرب في موقع مركّب داخل خريطة الأمن الغذائي العالمي. فبينما يعترف التقرير بالتطور الملحوظ الذي حققته المملكة في تحديث القطاع الزراعي، وتطوير سلاسل الإنتاج والبنية التحتية للري، فإنه يشير إلى استمرار الهشاشة البيئية والمناخية بوصفها العامل الأكثر تهديداً لاستدامة هذا التقدم.

فالأمن الغذائي المغربي، كما يوضح التقرير، مرتهن بأداء القطاع الزراعي الذي يعتمد بدوره على موارد مائية محدودة ومتقلبة، ما يجعل كل تحول مناخي شديد الأثر على بنية الإنتاج الوطني وعلى استقرار القرى والمداشر.

الماء كمعيار للأمن الغذائي:

يشير التقرير إلى التجربة المغربية في إصلاح تسعيرة المياه الزراعية كنموذج رائد على مستوى المنطقة، باعتبارها محاولة جريئة لربط الكفاءة الاقتصادية بالعدالة الاجتماعية. فاعتماد تسعيرة تعكس القيمة الاقتصادية الحقيقية للماء يمكن أن يسهم في عقلنة الاستهلاك وحماية الموارد الطبيعية، بشرط أن ترافقه سياسات داعمة لصغار الفلاحين.

وهكذا يتحول الماء من مجرد مورد طبيعي إلى محدد استراتيجي للأمن الغذائي، حيث تتوقف سيادة الغذاء على حسن تدبير هذا المورد الحيوي، لا على حجم الأراضي المزروعة وحدها.

نجاعة السياسات أم عدالة الموارد؟:

رغم وجاهة الإصلاحات الزراعية الكبرى، يكشف التقرير عن مفارقة جوهرية: فالنجاعة الاقتصادية لا تزال غير متكافئة اجتماعياً. فبينما استفاد كبار المستثمرين من التحفيزات والمشاريع البنيوية، ظل الفلاح الصغير محكوماً بهشاشة التمويل وصعوبة الولوج إلى الدعم والتكنولوجيا.

هذا الاختلال يهدد بتحول الأمن الغذائي إلى أمنٍ طبقي؛ أي غذاء مضمون للفئات القادرة، وهشاشة متزايدة للفئات الريفية محدودة الدخل. إنها مفارقة تنذر بضرورة إعادة التفكير في عدالة توزيع الموارد والدعم، حتى لا يتحول الإصلاح الزراعي إلى مشروع للنخبة لا للوطن.

من الاكتفاء الغذائي إلى السيادة الغذائية:

يرى التقرير أن الرهان لم يعد فقط تحقيق الاكتفاء الغذائي، بل بناء السيادة الغذائية، أي تمكين الدولة من إنتاج غذائها بمعرفتها ومواردها، لا عبر التبعية للأسواق الخارجية.

وهنا يتخذ الأمن الغذائي بعداً سيادياً وحضارياً، حيث يصبح الإنتاج المحلي فعلاً للتحرر الوطني، ومؤشراً على قدرة الدولة على تأمين حاجياتها الأساسية في عالم تتقاطع فيه الأزمات المناخية والاضطرابات الجيوسياسية.

الزراعة والعدالة المجالية:

يشير التقرير إلى أن الزراعة ما تزال العمود الفقري للمجتمع القروي المغربي، وأن أي تراجع في مردوديتها ينعكس فوراً على الاستقرار الاجتماعي. لذلك، فإن دعم الفلاحين الصغار، وتعميم التقنيات الحديثة، وتشجيع ريادة الأعمال الفلاحية للشباب القروي، تمثل مداخل ضرورية لإعادة التوازن بين الجهات وتحقيق الإنصاف المجالي.

فالزراعة ليست قطاعاً إنتاجياً فقط، بل نسيج حياة اجتماعي وثقافي، يستمد منه المجتمع استقراره وهويته الإنتاجية.

الجيل الأخضر والمخطط الوطني للماء:

يعتبر التقرير أن برامج الجيل الأخضر والمخطط الوطني للماء استمراراً لمسار مخطط المغرب الأخضر، لكنها تضيف إليه بعداً بيئياً واجتماعياً أوضح. فهي تراهن على الاستدامة البيئية ودمج البعد الاجتماعي في التنمية الزراعية.

ومع ذلك، فإن استمرار هذه الدينامية يتطلب تجديد الحكامة وتوحيد الرؤية بين القطاعات المعنية، حتى لا تبقى الجهود مشتتة بين مبادرات جزئية أو غير منسقة.

نحو اقتصاد زراعي ذكي مناخياً:

ينبه التقرير إلى أن المستقبل الزراعي للمغرب سيتحدد بمدى قدرته على التحول إلى الزراعة الذكية مناخياً، أي تلك التي توظف التكنولوجيا والبحث العلمي لمواجهة التغيرات المناخية.

فالرهان اليوم هو في الابتكار المائي والتكنولوجي: أنظمة ري مقتصدة، مراقبة ذكية للمناخ، وبحث علمي يربط بين الإنتاج والاستدامة. بهذا المعنى، يتحول الفلاح المغربي من فاعل تقليدي إلى شريك في المعرفة البيئية.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button