
(كش بريس/التحرير)ـ أطلق المكتب الوطني للسكك الحديدية أوراشاً كبرى للبنية التحتية بجهة الدار البيضاء، في إطار تنزيل مشروع القطار فائق السرعة الرابط بين القنيطرة ومراكش، وهو مشروع يُنظر إليه كأحد أعمدة التحول الهيكلي في قطاع النقل بالمغرب. هذه الأشغال، التي ستمتد بين 2025 و2027، تهم بالأساس المحور الحيوي بين المحمدية والنواصر، باعتباره القلب السككي النابض للبلاد.
أبعاد تقنية وتنظيمية
المشروع يتجاوز مجرد توسيع الشبكة السككية التقليدية؛ إذ يطمح إلى خلق انسجام وظيفي بين أنماط مختلفة من النقل السككي. فزيادة عدد السكك إلى ستة مسارات (قطارات فائقة السرعة، قطارات القرب، والقطارات التقليدية) تمثل خطوة نحو تنظيم تدفق الحركة وضمان سرعة ومرونة في الخدمات. يواكب ذلك اعتماد نظام تشوير حديث وبناء محطات جديدة، إضافة إلى إنجاز 600 كيلومتر من السكك المكهربة وتسعة مراكز للصيانة، مما يعكس انتقال المغرب إلى جيل جديد من البنية السككية.
التحديات الميدانية
رغم الطابع الطموح للمشروع، إلا أن تنفيذه يواجه تحديات ملموسة. فالورشات ستُقام على شبكة قيد الاستغلال، ما يعني اضطرابات مؤقتة في حركة القطارات وإغلاق بعض المحطات (مثل مرس السلطان)، إضافة إلى تعديلات في مواقيت الرحلات. هذا يفرض على المكتب الوطني للسكك الحديدية اعتماد تخطيط دقيق يوازن بين استمرارية الخدمة وتسريع وتيرة الأشغال.
البعد الاستراتيجي
يمثل الخط فائق السرعة القنيطرة – مراكش امتداداً طبيعياً للخط طنجة – القنيطرة، على مسافة إضافية تقدر بـ430 كيلومتراً، ليشكل ربطاً مباشراً بين شمال المملكة وجنوبها. هذا الامتداد لا يقتصر على كونه مشروعا للنقل فقط، بل يعد رافعة اقتصادية واستراتيجية؛ فهو يعزز التكامل بين الأقطاب الحضرية الكبرى، ويربط بين مراكز اقتصادية ومطارات وملاعب، ويوفر أداة لتخفيف الضغط عن الطرق البرية والمطارات الداخلية.
تحولات في أنماط التنقل والتنمية
من المتوقع أن يُحدث المشروع نقلة نوعية في مفهوم السفر والتنقل بالمغرب، حيث سيمكن من تقليص مدة الرحلة بين طنجة ومراكش إلى ساعتين وأربعين دقيقة، وهو ما يعزز جاذبية المدن السياحية والاقتصادية، ويفتح آفاقاً أوسع لتوزيع الاستثمارات وتطوير السياحة الداخلية. كما أن الاعتماد على شبكة مكهربة يعكس توجه المغرب نحو النقل المستدام وتقليص البصمة الكربونية.
ــــ
إن مشروع القطار فائق السرعة القنيطرة – مراكش ليس مجرد استثمار في البنية التحتية، بل هو جزء من رؤية استراتيجية أشمل لتموقع المغرب كفاعل إقليمي في مجال النقل العصري والمستدام. ومع ذلك، يبقى نجاحه رهيناً بقدرة المكتب الوطني للسكك الحديدية على إدارة المرحلة الانتقالية بكفاءة، وضمان تواصل فعّال مع المسافرين، وتخفيف الآثار الجانبية للأشغال على الحياة اليومية.
ـ الصورة من الأرشيف ـ