
(كش بريس/ التحرير)ـ يشير تقرير مركز الدراسات الدولي للديمقراطية “انترناشونال أيديا” إلى تدهور مقلق في حرية الصحافة عالميًا، مسجّلًا أدنى مستوى لها منذ نصف قرن. هذا التراجع الذي مسّ 54% من دول العالم بين 2019 و2024 لا يعكس مجرد أزمة ظرفية، بل يكشف عن تحول بنيوي عميق يطال ركائز الديمقراطية نفسها.
فالصحافة التي لطالما اعتُبرت خط الدفاع الأول عن الشفافية والمساءلة، تواجه اليوم ضربات مزدوجة: من جهة ضغوط سلطوية متزايدة تحت ذرائع مختلفة، أبرزها تداعيات الجائحة؛ ومن جهة أخرى موجات تضليل إعلامي ضخمة، تُستغل أحيانًا كذريعة لتقييد حرية التعبير أكثر مما هي تهديد حقيقي. هذا “المزيج السام”، كما يسميه التقرير، يجعل المشهد الإعلامي أقل تنوعًا وأكثر هشاشة أمام الهيمنة السياسية والاقتصادية، في ظل تركز متنامٍ لوسائل الإعلام التقليدية وغياب فادح للإعلام المحلي.
ويكشف التقرير أن دولًا مثل أفغانستان وبورما وبوركينا فاسو سجّلت أكبر التراجعات، وهو أمر متوقع بالنظر إلى هشاشة بنياتها السياسية، غير أن المثير للانتباه هو إدراج كوريا الجنوبية، الدولة المصنفة ديمقراطية متقدمة، حيث أصبحت المحاكمات بتهم التشهير والمداهمات الأمنية أداة ضغط على الصحافيين. هذا يُظهر أن تراجع حرية الصحافة لم يعد مقتصرًا على الأنظمة السلطوية، بل يزحف أيضًا إلى الديمقراطيات الليبرالية.
أما الولايات المتحدة، التي لطالما اعتُبرت مرجعًا في حرية التعبير، فإن بوادر التراجع فيها خلال الانتخابات الأخيرة تبعث برسائل سلبية للعالم، خاصة أن الممارسات السياسية الأميركية كثيرًا ما تكتسب طابعًا مُعديًا عالميًا. وهنا يكمن الخطر الحقيقي: أن يصبح قمع الإعلام ليس استثناءً، بل قاعدة جديدة تُبرَّر تحت شعارات “الأمن” أو “مكافحة التضليل”.
إن خطورة ما يسجله التقرير لا تكمن فقط في الأرقام، بل في ما تحمله من إنذار بأن الديمقراطية الحديثة تُفرغ من جوهرها: فإذا انهارت حرية الصحافة، فإن رقابة المجتمع على السلطة تنهار بدورها، وما يتبقى ليس سوى شكل ديمقراطي بلا مضمون.