‏آخر المستجداتالمجتمع

التعليم الدامج بالمغرب.. أرقام متضاربة ورهانات مؤجلة

(كش بريس/التحرير)ـ في ضوء التقرير الصادر عن المرصد المغربي للتربية الدامجة، يتضح أن ملف دمج الأطفال في وضعية إعاقة داخل المنظومة التعليمية الوطنية يعيش وضعاً مقلقاً يعكس أزمة في الرؤية والسياسات التربوية الرسمية. فالمعطيات التي قدمها المرصد تكشف عن تراجعٍ خطير في المؤشرات الكمية والنوعية للعرض التربوي الدامج، وعن غياب إرادة مؤسسية حقيقية لترجمة مبادئ المساواة والإنصاف إلى ممارسات ملموسة.

غياب الرؤية الإستراتيجية:

يشير المرصد إلى أن وزارة التربية الوطنية تفتقر إلى رؤية واضحة ومتكاملة حول قضايا الدمج التربوي، وهو ما يجعل البرامج والمبادرات المتفرقة أقرب إلى إجراءات شكلية لا تؤسس لسياسة عمومية دامجة. فالتربية الدامجة، كما يوضح التقرير، لا يمكن اختزالها في أرقام المؤسسات أو الإعلانات الوزارية، بل تتطلب تصوراً تربوياً قائماً على مبدأ الإنصاف والحق في التعليم دون تمييز.

القرار الوزاري رقم 47.19: إشكال في المرجعية والقصد:

ينتقد المرصد بشدة القرار الوزاري الصادر سنة 2019، معتبراً إياه قراراً تمييزياً يكرّس الإقصاء بدل الحد منه. فاشتراط أداء الأسر لأجرة خدمة المرافقة المدرسية يعد خرقاً لمبدأ المجانية والمساواة في الولوج إلى التعليم، ويشكل عائقاً اجتماعياً واقتصادياً أمام العديد من الأسر التي تعاني أصلاً من هشاشة مادية.

تراجع العرض التربوي الدامج:

تُظهر البيانات الرسمية التي استند إليها المرصد أن عدد الأطفال في وضعية إعاقة المتمدرسين انخفض من 95 ألفاً سنة 2021 إلى 65 ألفاً سنة 2025، أي بنسبة تراجع تناهز 30%. هذا التراجع يعكس خللاً بنيوياً في السياسات القطاعية، ويؤشر إلى قصور في آليات التتبع والتقييم، خصوصاً في ظل غياب إطار مرجعي لتصنيف المؤسسات الدامجة.

أزمة البنيات التحتية والولوجيات:

اعتراف وزير التربية الوطنية بأن فقط 25% من المؤسسات التعليمية تتوفر على مرافق صحية ملائمة يؤكد ضعف الاستثمار في البنيات الأساسية، ويطرح سؤال العدالة المجالية بين الوسطين الحضري والقروي. فالدمج التربوي لا يتحقق إلا بتوافر شروط مادية، بيداغوجية ونفسية متكاملة.

الفجوة بين الخطاب والممارسة:

تنتقد المعطيات المقدمة التناقض بين الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن 7416 مؤسسة دامجة، وبين الواقع الذي يُظهر غياب معيار واضح لتحديد مفهوم “الدمج”. فالاعتماد على الأرقام دون سند بيداغوجي أو تقييم ميداني يجعل السياسات العمومية رهينة التجميل اللفظي أكثر من الفعل التربوي الحقيقي.

إن ما يصفه المرصد بـ“الإقصاء الممنهج” ليس فقط نتيجة غياب الموارد أو نقص الإمكانات، بل هو نتاج لضعف في الفلسفة التربوية المؤطرة للسياسات العمومية، والتي ما زالت تتعامل مع فئة الأطفال في وضعية إعاقة بمنطق “الاستثناء” بدل “الحق”.

إن الدمج التربوي ليس ترفاً اجتماعياً، بل مؤشر حضاري يقيس مدى إنسانية الدولة وعدالة منظومتها التعليمية. فحين يُقصى الطفل المختلف، تُقصى معه قيم المواطنة والمساواة والكرامة الإنسانية.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button