
ـ بين التقدم المؤسساتي والقصور البنيوي في تحويل المعرفة إلى تنمية ـ
(كش بريس/التحرير)ـ يقدّم رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشأن مساهمة البحث العلمي في الابتكار وتطوير القدرات التنافسية للاقتصاد الوطني قراءة مركّبة لمسار البحث العلمي في المغرب، تجمع بين إشادة بالتقدّم المحرز ونقد بنيوي لبطء التحول نحو منظومة ابتكارية فعّالة.
فمن جهة، سجّل المجلس أن المغرب حقق تطوراً كمياً في عدد الباحثين وطلبة الدكتوراه، وتنامياً في الإنتاج العلمي المفهرس، مع توسّع شبكة الفاعلين العموميين والخواص في المنظومة الوطنية للبحث. وهي مؤشرات تعكس دينامية مؤسساتية بدأت تؤتي ثمارها في مجالات محددة مثل الصحة، حيث جرى تطوير أدوية استراتيجية وعلاجات جنيسة، والصناعات الاستخراجية التي شهدت عمليات ابتكارية لتثمين المكامن المعدنية واستثمارها في مشاريع متقدمة كتقنيات تخزين الطاقة.
إلا أن هذا التقدم الكمي يظل، بحسب المجلس، دون المعايير الدولية من حيث الفعالية والتأثير الاقتصادي. فالمنظومة الوطنية للبحث العلمي ما زالت تفتقر إلى نظام متكامل للحوكمة، والتمويل، والتثمين، يجعل من المعرفة رأسمالاً منتجاً للقيمة المضافة.
أولاً: اختلالات هيكلية في التمويل والحوكمة
أبرز ما توقف عنده المجلس هو ضعف الإنفاق على البحث العلمي والتطوير، إذ لم يتجاوز 0.75% من الناتج الداخلي الإجمالي (استناداً إلى معطيات 2016)، وهو رقم يضع المغرب بعيداً عن المتوسطين العالمي (2.68%) والأوروبي (2.24%). كما أن التمويل يظل عمومياً بالأساس، بينما لا تتعدى مساهمة القطاع الخاص 30%، ما يعكس غياب ثقافة البحث المقاولاتي والاستثمار المعرفي في النسيج الاقتصادي الوطني.
إضافة إلى ذلك، لم يُستكمل بعد الإطار القانوني والتنظيمي، حيث لا تزال مقتضيات القانون رقم 01.00 المتعلقة بتنظيم التعليم العالي دون تفعيل، خاصة تلك التي تتيح للجامعات إحداث شركات تابعة (filiales) لتثمين نتائج البحث العلمي، وهو ما يُعدّ أحد المفاتيح الكبرى لتحويل المعرفة إلى ثروة.
ثانياً: غياب القيادة الاستراتيجية وضعف التنسيق
على الرغم من إحداث المجلس الوطني للبحث العلمي سنة 2021، إلا أنه، كما يشير التقرير، لم يتمكّن بعد من أداء دوره القيادي، نتيجة غياب استراتيجية وطنية موحدة ومحدودية صلاحياته القانونية. يضاف إلى ذلك ضعف التعاون بين الجامعات والقطاع الصناعي، حيث تبقى الشراكات محدودة وظرفية، ما يحرم الاقتصاد الوطني من فرص الاستفادة من نتائج البحث العلمي في الابتكار والإنتاج.
ثالثاً: نحو رؤية جديدة للبحث والابتكار
في ضوء هذا التشخيص، يدعو المجلس إلى بلورة استراتيجية وطنية مندمجة للبحث والابتكار، تقوم على:
الرفع من الإنفاق على البحث إلى 3% من الناتج الداخلي الإجمالي بحلول 2030،
تمكين الجامعات من استقلالية حقيقية في التدبير المالي والعلمي،
إحداث إطار خاص للباحثين المتفرّغين، يشمل طلبة الدكتوراه وما بعد الدكتوراه، مع تحفيزات إنتاجية ملموسة،
توسيع نطاق الشراكات بين القطاعين العام والخاص عبر تحالفات بحثية وصناعية (Consortiums) على غرار تجربة مؤسسة MAScIR.





