
(كش بريس/التحرير)ـ في خطوة لافتة من حيث سرعتها ودلالتها السياسية، أعلنت وزارة الداخلية، اليوم الثلاثاء، عن توجيه ملتمس إلى رئاسة النيابة العامة لفتح بحث قضائي في قضية تتعلق بشبهة “رشوة” نُسبت إلى العامل السابق لإقليم آسفي، وذلك بناءً على تقرير مفصل أنجزته المفتشية العامة للإدارة الترابية. القضية تفجّرت عقب تصريح أحد أعضاء مجلس جماعة “لمصابح”، تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، زعم فيه أن مقاولًا أكد طلب العامل السابق “رشوة” مقابل إنجاز طريق بالجماعة.
ورغم أن البلاغ الوزاري جاء بصيغة تقنية وإجرائية، إلا أنه يحمل في عمقه أبعادًا تتجاوز الواقعة ذاتها، ليلامس جوهر العلاقة بين السلطة والمساءلة في السياق المغربي الراهن. فالإحالة على النيابة العامة تمثل ترجمة عملية لمبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، وتؤشر إلى استعداد وزارة الداخلية لتفعيل آليات الرقابة الداخلية والخارجية بعيدًا عن منطق التسويات الإدارية أو الإخفاء البيروقراطي.
في المقابل، يعكس انتشار الفيديو قبل صدور البلاغ تحوّلًا عميقًا في دينامية المعلومة العمومية، حيث أصبحت المنصات الرقمية فضاءً موازيًا للرقابة الشعبية، يفرض على الدولة سرعة التفاعل وتبرير الموقف. فالمواطن لم يعد مجرد متلقٍ للخبر، بل فاعلًا فيه، يحفّز المؤسسات على استعادة دورها في حماية المرفق العمومي من الشبهات التي تنال من الثقة العامة.
بهذا المعنى، لا يمكن قراءة البلاغ الوزاري بمعزل عن السياق الرمزي الأوسع، الذي يتّسم بتآكل الثقة بين المواطن والجهاز الإداري. إن توجيه الملف نحو القضاء يُعدّ اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على تحويل الخطاب حول محاربة الفساد إلى ممارسة مؤسسية شفافة، تعيد الاعتبار لفكرة العدالة وتكرّس المساواة أمام القانون.
ويبقى الرهان الأعمق هو أن تتحوّل هذه الخطوة من مجرد استجابة ظرفية إلى مسار دائم لتقويم الإدارة وترسيخ ثقافة المحاسبة، لأن محاربة الفساد لا تُقاس بعدد البلاغات، بل بمدى استعادة المواطن لإيمانه بأن القانون لا يفرّق بين أصحاب النفوذ وبسطاء الناس.